المرأة أيضا تمارس العنف
هل صحيح أن الرجل هو المسؤول، دون سواه، عن تنامي العنف الأسْري؟ أم أن للمرأة دوراً في تفشي الظاهرة وأيضا في ممارسته؟ ما هذا الذي يقال في همس عن ضرب النساء لأزواجهن؟؟؟ أسئلة كثيرة تثار على خجل، ونادرا ما تجد لها جوابا لحساسية الموضوع واستنكاف الرجال ضحايا العنف عن إثارته والبوح بأسراره. وسنحاول هنا إبراز بعض المسكوت عنه:
أولا: زوجات يضربن أزواجهن
"عنف الزوجات" ضد الأزواج لا زال ملفا مغلقا ويحاط بالصمت من كل جانب. وحتى عند فتحه يُكْتَفَى بالتلميح إليه على استحياء، فأحرى أن يتفاعل معه بشكل جاد وتُعرَف أسبابه ووسائل الحد منه.
وأشكال العنف الذي تمارسه بعض الزوجات ضد الأزواج "متعددة". تبدأ بتوجيه العبارات الجارحة والسب والشتم وتنتهي في بعض الأحيان بالقتل أو محاولته والتمثيل بالجثة، مرورا بأشكال مختلفة من الضرب والاعتداءات البدنيه إلى الطرد من منـزل الزوجية والاختطاف وحبس الزوج داخل غرفة ومنعه من الخروج، وقطع المصروف عنه وحرمانه من جميع حقوقه ومنعه من رؤية أبنائه أو زيارتهم أو استزارتهم والابتزاز العاطفي (مع استغلال الأطفال في ذلك)...
ومع أن أكثر الحالات الموجودة لا يُصرّح بتفاصيلها، لحساسية موقف الرجل من عنف الزوجة، فإن الأرقام المتوفرة تكشف أن "عنف الزوجات" ظاهرة عالمية، ففي الولايات المتحدة يتعرض 23% من الأزواج إلى الضرب على أيدي زوجاتهم، وفي أوروبا %17، وفي سنغافورة يصل عدد ضحايا الظاهرة إلى %12... على أن مصر تسجل رقما يعتبر قياسيا: 25 % .
وعنف الزوجات (الضرب) ضد الأزواج ظاهرة متفشية في الغرب، وهي في طريقها للتدويل والتحول إلى ظاهرة في باقي البلدان، بحيث تصل في المملكة العربية السعودية إلى 5% . ولهذا المثال دلالة كبرى... ورغم غياب إحصائيات رسمية أو شبه رسمية في جل الدول العربية، فهذا لا يعني التقليل منها، بل تذهب التخمينات إلى أن مظاهر عنف الزوجات وصلت إلى كل الأقطار العربية والإسلامية، لكنها تحاط بالتكتم ولا تثير نفس الصخب والضجيج الذين يصاحبان العنف الممارس من الرجال على النساء. لأنه من طبع الرجل ألا يجهر بالشكوى، تفاديا للإحراج أو اهتزاز شخصيته وصورته أمام الأقارب والناس. وأيضا لأن المجتمع يتسامح كثيرا مع ضرب الزوجات ويسمح بأن يعرف الناس بأن الزوج يُربّي زوجته، لكن لا يسمح تماما أن تربّي الزوجة زوجها بطريقتها ولو كان مخطئا وكان العنف هو الحل الوحيد لتصحيح سلوكه.
\
المرأة تمارس العنف الذي تتقنه: الواقع أن المرأة تظهر للعيان دائما ضحية عنف الزوج أو الرجل عموما. لكنها قد تكون السبب الحقيقي، بممارستها العنف الذي تتقنه أو تستطيعه وهو العنف الكلامي الهجين والشتم والسب... بشكل يستفز الرجل ويهيِّجه. وبما أن هذا الأخير لا يتقن عنفا آخر غير العنف الجسدي، فإنه يلجأ إليه بدون تردد. بهذا المعنى فكلا الطرفين يمارس العنف الذي يتقنه ويستطيعه. لكن بما أن من طبيعة المرأة أن تشتكي، فهي تحتل دائما وضع الضحية.
وما يجب أن يفهم من هذا أننا نستصغر ظاهرة العنف ضد الزوجات، بل فقط ننبه إلى أنا لعنف مهما كان مصدره و أيا كان ضحيته مرفوض ومذموم... إنما يجب البحث في أسباب استشراء العنف داخل الأسر.
ثانيا: أسباب تفشي القسوة داخل الأسرة
إن خصومات عديدة وعنفا كثيرا سببهما تافه أو مادي محض وكان بالإمكان تجاوزه لو احتكم الزوجان للعقل والموضوعية والرزانة ولو استُنقِذَت قيم احترام الزوج الآخر. وسنحاول إدراج أهم ما نعتبره عوامل لاستحكام الخلافات واللجوء للعنف:
◙ تراجع قيم التساكن والتعايش واحترام الآخر: وهذا بسبب تراجع أصول التربية وعدم تهيئ الشباب للزواج ومسؤولياته الخطيرة وعدم تقدير كلا الزوجين للمسؤولية وتداعيات سلوكياته التي تهدد مستقبل الأسرة، ومن ثم إهمالهما لواجباتهما... وفي كل هذا تكريس للعنف وإذكاء له؛
◙ انهماك الأزواج في الجزئيات على حساب القضايا الأساسية
في المقام الأول يأتي الاختلاف بشأن طرق صرف دخل الأسرة وتحديداً صرف راتب الزوجة (الهزيل غالبا). وهو للأسف موضوع لا يستحق كل ما يهدر من أجله من طاقات. وإن عددا من القيم تسعف هاهنا:
* فعلى مستوى الأخلاق على المرأة العاملة أن تترفع عن مثل هذا الجدال العقيم، باعتبار أن كل ما تكسبه الأسرة هو مال الأبناء لا الزوج أو الزوجة.
* ومنطقيا، إذا كان الزوج يتنازل عن أشياء كثيرة بسبب عمل الزوجة، فيجب أن يشعر بفائدة عملها، كي يستمر الود.
* وإذا كانت المرأة تطالب بالمساواة، فالمساواة يجب أن تشمل الواجبات أيضا لا الحقوق فقط. ومن الواجبات مساهمة الزوجة القادرة على الإنفاق في نفقة البيت. فمما ترسب في أذهان النساء جيدا أن المرأة لا تكلف بالإنفاق، ولأن هذا يخدم مصالحها، فهي أبدا لم تلتفت له، ولا أحد يطالب بتعديل المدونة بشكل يلزم الزوجة بالإنفاق.
◙ توتر العلاقات بين الزوجة وأسرة الزوج: ومن بين المواضيع التي تشكل أسباب الخلاف والتشنج والعنف والشقاق المفضي للفرقة، علاقة الزوجين مع أسرة الزوج الآخر، وانحشار الأسر بشكل سلبي في مشاكل الزوجين وإذكائها الخلاف بينهما. ومع أن قيمنا تدعو بكاملها لتبادل الاحترام والوقار، ليس بين الزوجين فحسب، بل أيضا بينهما وبين أسرة الزوج الآخر، فمن المؤسف الإقرار أن هذه العلاقة تردت كثيرا، وهي تساهم بقسط وافر في هدم البيوتات. في وقت كان ينتظر منها إسعاف الحياة الزواجية وتبديد الخلاف ومساعدة الزوجين على تحمل أعبائهما ومسؤولياتهما بأقل إعياء ممكن. هكذا تحولت الأسرة الممتدة من منقذ للزواج إلى مسهم عتيد في هدمه، بسبب ما أصاب مجتمعاتنا من تخلف ومن ابتعاد عن القيم.
◙ صحيح أيضا أن هنالك أزواجا يمارسون العنف لأسباب نفسية أو بسبب تعاطي الممنوعات، لكنهم في الواقع مجرد استثناء. بل حتى عندما يدمن الزوج، قد تكون للزوجة، وعموما المحيط، بعض المسؤولية في ذلك (إما في دفعه للتعاطي أو عدم إحسان التعامل معه كمتعاطٍ ومساعدته على الفطام). لأن الرجل في مجتمعنا -أيا كانت مساوئه- غالبا هو من يسعى لشريكته ويختارها عن عاطفة أو اقتناع. ومن يختار نادرا ما يعذب من يختار، فإن فعل، فلأن الطرف الآخر لم يحسن استغلال عواطفه، أو مَنَعَهَا من أن تنمو وتستمر. وحتى في هذه الفرضية فالعنف سببه الإدمان وانهيار الأخلاق، لا كون المرأة امرأة، مما يحتم استئصال السبب لا الوقوف عند الأعراض.
وعمليا، كثيرا ما يصعب تحديد من الظالم ومن المظلوم في النـزاعات الزوجية، بما يعقد مسألة الوساطة التوفيقية ويعقِّد مهمة القضاء، ويحول دون تحقيق العدل التام. إنما الذي لا جدال فيه هو أن الأزمة أزمة فكر وسلوك، لا تنصلح إلا بتصحيح المفاهيم والسلوكيات.
◙ وبالنسبة لاستخدام الزوجة العنف ضد زوجها، هنالك أسباب عديدة من بينها:
* ضعف التربية في البيوت قبل الزواج وعدم تهيئ الشباب لمسؤوليات الزواج وعدم تقدير كل من الزوجين للمسؤولية، ومن ثم إهمالهما لواجباتهما، مما يؤدي إلى الركون للعنف؛
* والانفتاح على العالم الخارجي، أو قل الانفتاح غير المرشَّد على ثقافات وعادات مخالفة للقيم والثقافات المحلية، تنقلها وسائط الإعلام والقنوات الفضائية... بشكل يصعب على المرأة استيعابه أحيانا، فيؤدي التقليد إلى نتائج أحسانا مأساوية؛
* كون وسائط الأعلام هذه تعُجُّ بصور العنف والقسوة والشدة أكان في الأعمال الفنية والأدبية أو السياسية والفكرية والعسكرية...
* وقد خلص عدد من مراكز البحث والإنصات إلى أن نسبة عالية من النساء اللائي يتعرضن للتعنيف من قبل الأزواج، يكون قد صدر منهن شتم وسب للزوج (عنف كلامي). ولا غرو، فسلاطة ألسنة الزوجات ظاهرة مستشرية في مجتمعاتنا ؛
معاملة الزوج القاسية وتعرض الزوجة للضرب أو اكتشافها خيانته لها، بحيث غالباً ما تدافع عن نفسها بالضرب أو السب؛
* الامتداد العمراني والتمدُّن، على نفعيتهما، لا يخلوان من آثار سلبية على العلاقات الزواجية. لما يحمله نمط العيش في الحواضر من قلق وتشنجات ومن عزلة للأسرة الصغيرة ومن ضغوطات اقتصادية واجتماعية وسواها.
...
◙ يذكي هذا الواقع انعدام جهات (أسرة ممتدة، أهل، أقارب، إمام المسجد...) أو هيآت أو لجان مؤهلة لإصلاح ذات البين وحل المشكلات قبل أن تستعصي وتؤدي للعنف، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأسرية بتعدي أحد الطرفين على الآخر بالضرب والسب والشتم... دون أن يوجد في محيط الزوجين من يمكن أن يقوم من سلوكيات المتسلط منهما.
الموضوع : المرأة أيضا تمارس العنف المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs