آية "الضرب" وحجيتها في تبرير العنف ضد المرأة
الآية التي يتخذها البعض دليلا على تبرير ضرب النساء : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (سورة النساء (4)، آية 34 و35).
هذه الآية، وكما كان متوقعا جدا، تثير الكثير من الجدال، ولا غرابة في هذا، لأن الناس دأبت على أن تتعامل مع النص الشرعي بانتقائية وتجزيئ، بحيث تخفي منه ما تشاء ولا تبرز إلا الذي يلبِّـي ما في الأنفس من حاجات لم تعد خافية. فكما استُثْمِرَت آية النشوز عبر القرون من أجل تبرير كل أشكال العنف الممارس على المرأة، تُستثمَر حاليا من أجل شن حملات ضد الإسلام واتهامه بالرجعية والتطرف واللامساواة واحتقاره المرأة. هذا مع أن الآية موضوع النقاش تبدأ بالحث على النصح والوعظ والتوجيه والإرشاد، بالتي هي أحسن: " فَعِظُوهُنَّ ". كل ذلك من أجل إثناء الزوجة الناشز الخارجة عن الشرع واتقاء الفرقة والطلاق.
فآية النشوز (مثل آية القوامة... وسواها) من الآيات القليلة التي تُشهَرُ بمناسبة وبغير مناسبة، بحيث تَجُبُّ وتُنْسِي الناسَ كُلَّ الآيات الضامنة للعدل والمساواة والكرامة والحقوق. ومع أن قراءةً مثل هذه لا سند لها في الشرع، مع ذلك نتوقف عندها بتمعن. فالآية 34 من سورة النِّساء بالصيغة التي جاءت بها هي نفسها التي تمنع الضرب، خلافاً لما ترسخ في أذهان المسلمين وخلافا للاتهامات التي يوجهها الآخرون للإسلام لهذا السبب، بل إنها لم تشر لكون الضارب هو الزوج من قريب أو بعيد. وها هي ذي الحجج:
◙ إن الشرع الإسلامي كلٌّ لا يتجزأ، وأحكامه متكاملة فيما بينها. بينما خصوم الإسلام وحتى بعض أبنائه الجاهلين بأحكامه لا يشهرون في كل مرة إلا بضعا أو جزءاً من الآيات التي يعتبرونها "مشْكِلَة"ً، أو مكرسة لبعض السلوكيات، ويخفون، عن جهل أو عن مكابرة أو تعمد، الآيات والأحاديث، وما أكثرها، التي تقيم أحكاما عادلة ومنصفة للجهات المعنية بالحماية. وغير خاف أنه إذا ما اعتُمدت منهجية التجزيئ، فإن أي نظام مهما بلغ كماله سيظهر معيبا وناقصا.
◙ إن الإسلام لم يبح ضرب المرأة على الإطلاق. ففي غير سياق هذه الآية، لا نجد في القرآن ولا في السنة أي نص يكرس الضرب أو أي عنف آخر. بل إنهما توجها بالخطاب للرجال والنساء سواسية من دون ميز أو تفضيل. بل، ورفعا لكل لبس أو تأويل مُجَانِبٍ لمقاصد الشرع، نصَّا معا بصريح العبارة على أن الكرامة تجب للمرأة كما تجب للرجل. بل زادَا على ذلك قواعد تبين مكانة المرأة وضرورة إحسان معاملتها طفلة ويانعة وامرأة... حتى ثبت في الآثار أنه "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"...
وتأكيدا لقولنا هذا سوف نستحضر بعضا من الأحكام العامة التي تحكم العلاقة بين الجنسين وتحدد ضوابط معاملة الأنثى أكانت صغيرة أو امرأة بالغة، متزوجة أم لا، لنتعرف على الحدود الضيقة التي أبيح في إطارها استعمال القوة وليس العنف (كرد فعل على وضع مختلٍّ) والشروط والضمانات التي أحيطت بها التدابير التأديبية:
الموضوع : العنف الجسدي ومدى تحريم الشرع الإسلامي له المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs