رغم تعدد تعاريف العنف إلا أنها تحمل في مجملها معنى واحداً هو استخدام القوة المادية أو المعنوية ضد الآخر، بغرض الإضرار به. إنه سلوك أو فعل أو قول... يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف لآخر لا يملك نفس المقومات الجسدية أو المعنوية أو الاجتماعية التي تسمح له بدفع الأذى أو العدوان عن نفسه. وبما أن الفئات الاجتماعية وحتى الأسرية ليست متكافئة، فإن الأقوى كثيرا ما يستبيح العدوان ضد الأضعف، ويوجد لاعتدائه سندا اجتماعيا، عرفيا أو دينيا أو قانونيا...
العنف والقوة، تمييز: العنف ليس له من معنى سوى تجاوز الحد والغلظة والتعسف والخرق، وهو ضد الرفق. وأما القوة فمرادف للقدرة والمقدرة والأهلية والاستطاعة والطاقة. ونشير بشكل مبتَسَرٍ، وفي انتظار ما سيأتي من تبسيط، إلى أن العنف لا شرعية له، لأنه مرفوض جملة وبإجماع النظم والقوانين، سماوية كانت أم وضعية. ومن ثم نحسم مسبقا بأنه لا يوجد شيء اسمه العنف المشروع، وأن شرعية استخدام القوة هي غيرها في استخدام العنف... كما سنبين بتفصيل وبالبراهين الشرعية.
وتفاديا للأحكام المسبقة سوف نستفسر النص الشرعي (قرآن وسنة) الذي تعتمده بعض الأصوليات كأساس شرعي قاطعٍ من أجل ترتيب البناء الاجتماعي وجعل المرأة أسفله وتبرير كل أشكال العنف المادي والرمزي تجاهها. وبنفس القدر سنستفسر الأسس الشرعية والفلسفية لبعض المراكز القانونية التي يعتمدها بعض خصوم الإسلام من أجل توجيه التهم إليه على أساس أنه يحتقر المرأة ويضعها في أسفل السلم الاجتماعي من قبيل المهر والميراث والطلاق.
والحقيقة أنه كلما أثير العنف الأسْري تبادر إلى الذهن واقع نمطي واحد: تعنيف المرأة من قبل الرجل، لكن المرأة أيضا تمارس العنف الذي تستطيعه أو تتقنه، لكن لا يتلتف إليه إلا لماما. ولعله من نافل البحث الموضوعي أن نشخص كل أشكال العنف الممارس بين الزوجين من دون تحيز أو انسياق مع أيديولوجية ما...
وحينما يضاف إلى موضوع العنف الأسري موضوع الإسلام، يذهب الناس بوعي أو بدونه، بحسن نية أو سوئها، بمعرفة أو جهل... إلى جعل الموضوعين مترادفين ويجتهدون من أجل إلصاق العنف بالإسلام واتهامه بوضعه المرأة في الدرك الأسفل. وإن البحث الموضوعي يقتضي منا أن نَستجْلِيَ واقع المرأة في العالم المتحضر والأقل تحضرا، في العلام الإسلامي وغيره من أجل الوصول إلى جواب مقنع عن سؤال معَقَّد حول ما إذا كان الإسلام بالفعل يكرس العنف ضد المرأة، و سؤال آخر حول ما إذا كان العنف ضد المرأة ظاهرة خاصة بالعالم الإسلامي أم أنها إشكالية عالمية ترتبط بأوضاع وعوامل وأسباب بعينها، بحيث كلما اجتمعت أفرزت سلوكيات يعوزها الحس الحضاري...
وخلال كل ذلك لن يفوتنا التنويه بتشريعات بعض الدول الإسلامية التي تسعى للقطع من الأعراف والتقاليد الظالمة للمرأة، لغاية الاستكناه عن مدى انسجامها مع الشرع ومدى استلهامها منه في مسائل لها علاقة بالعنف عموما والعنف ضد المرأة بشكل أخص...
ولعل الإجابة عن هذه الأسئلة الملحة والمعقدة ستسمح لنا بتقديم أجوبة دقيقة موضوعية ووفية عن مكانة المرأة في الإسلام وأيضا عن واقعها الحقيقي في الدول الإسلامية... وإن من شأن كل ذلك أن يعرف هيئات حقوق الإنسان العالمية وكل المهتمين الذين كونوا صورا نمطية عن مكانة المرأة في الإسلام وخلطوا في كل ذلك بين مكانة المرأة في النصوص وواقعها الذي تحكمه عوامل كثيرة ومعقدة.
توخيا للوصول إلى أجوبة موضوعية، سوف نخصص حيزا أولا للعنف الجسدي وآخر لـجرائم الشرف ومدى تحريمه من قبل الشرع الإسلامي ؛ لننتقل بعد ذلك إلى صور للعنف الممارس من قبل المرأة داخل الأسرة... على أمل أن يتسع المقام للعنف الرمزي المنسوب للإسلام، لغاية استجلاء أسباب الفهم الخاطئ أو القاصر الذي كونه كثير ممن يجهلون الفلسفة الشرعية الكبرى عن بعض المؤسسات القانونية كالمهر والميراث والطلاق...
الموضوع : العنف الأسري في الشرع الإسلامي المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs