لن يسمح لنا السياق باستحضار كافة القواعد الناظمة لحسن معاملة الأنثى في الإسلام، لذلك نكتفي بنماذج منها، مع إحالة من يريد التوسع إلى المصادر والمراجع الكثيرة والمتراكمة عبر القرون والتي أفردت أبوابا بكاملها لضوابط حسن معاملة الأنثى:
1- القرآن حرم العنف وحدد بدقة وصرامة قواعد حسن معاملة المرأة
كَثُر اتهام الإسلام على أنه دين يكرس العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة وكثرت المطالبة بأن تعتنق الدول الإسلامية المنظومات القانونية الدولية باعتبارها الوحيدة القادرة على حماية المرأة وتحريرها. والحقيقة أنه إذا رجعنا إلى التعاليم الإسلامية لتبين لنا غناها ومقدار اهتمامها الجدي والجازم بالمرأة طفلة وفتاة وزوجة وابنة وأمًا... والحقيقة أن المساحة المتاحة لا تسع لعرض كافة المبادئ الكثيرة والمتنوعة. ولعل ما ذكرناه يظهر مقدار عناية الإسلام بالمرأة. وإذا كان هذا حال شريعة سمحاء كريمة رحيمة، فهل يعقل إشهار الآية التي يستدل بها الكثيرون لتبرير الإساءة للمرأة أو لاتهام الإسلام بكونه يكرس دونية المرأة؟ ولنستعرض نماذج قليلة من الأحكام في الموضوع:
* بدءًا بتحريم وأد البنات: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (سورة التكوير، آية 9)
* والانتقال من الوأد إلى اعتبار ميلاد الفتاة بشرى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ" (سورة النحل، آية 58)؛ "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم" (سورة الزخرف، آية 17)
* كما حثَّ الشرع على حسن رعاية الفتيات وتربيتهن فقال الرسول (ص) من كانت له ثلاث بنات فآواهن، ورعاهن، وكفلهن، كن له حجاباً من النار" قالوا واثنتان يا رسول الله؟ قال: "واثنتان..." .
* واهتمام الإسلام بالفتاة، جاء حفاظاً على كرامتها وصوناً لعفتها، لأجل ذلك نأى بها عن أن تكون مجرد جسد للإغراء:
* وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة النور، آية 33)
* وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (سورة الأعراف، آية 26)
* وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) سورة النساء، آية 127)
* كما رعى الشرع حق المرأة في حماية سمعتها من الأباطيل ومن مجرد الكلمات الطائشة وحذر من اتهام النساء بغير حق وأوجد عقوبة خاصة بجرم القذف والمس بكرامة وشرف المرأة. وإلى العقوبة الجنائية تضاف عقوبة الحرمان من الحق في الشهادة، هذا عدا العقوبة الأخروية:
- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور4)
- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور23)
2- نماذج من السيرة القولية والفعلية عن واجب إحسان معاملة المرأة
ويمكن أن نختزل هنا موقف السنة النبوية في حديث: "لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة" .
كما حرص الرسول (ص) على واجب استئذان الفتاة عند الزواج ومنحها حق قبوله أو رفضه لقول (ص): "تستأذن البكر، وإذنها صمتها، وتُسْتَأمر الثيب" .
* ولم يفت الشرع التنبيه إلى واجب الإحسان للأم، كما في الحديث الشهير: يـا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتى؟ قال:"أمك وكررها ثلاثاً ثم قال:" ثم أبوك"... ومنها الحديث الحاسم بأن الجنة تحت أقدام الأمهات...
ثم اهتم الشرع بالمرأة كـزوجة وحدد قواعد وآداب العشرة:
وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تَحُثُّ الرجال على حسن معاملة زوجاتهم وإعطائهن حقوقهن كاملة وعدم خدش كرامتهن بقول أو فعل أو الافتراء عليهن ومن الآيات في هذا الخصوص:
* وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء، آية 19).
* أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) سورة الطلاق، آية6)
* وأوصى الرسول (ص) بالزوجات خيراً فى خطبة الوداع الشهيرة فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٌ عندكم (أى أسيرات) استحللتم فروجهن بكلمة الله وسنة رسوله، لا تضربوا الوجه ولا تقبحوه" .
* وهو القائل (ص) أيضا: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي... وهو لم يكتفِ بالقول، وإنما سنَّ سنة فعلية، كان فيها نموذج الزوج المثالي، المقدِّر للزوجة حق قدرها والرافع لشأن المرأة أيا كانت.
* ... وهكذا حتى جُعِل قمةَ كمال الإيمان الإحسانُ للزوجة والأهل، كما جاء في الحديث: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" .
كما وَضَعَ الشرع آدابا للطلاق تحفظ الفضل الذي كان بين الزوجين وتحفظ حقوق الزوجة وكرامتها:
* وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (سورة البقرة، آية 231)
* وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة 232)
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (النساء 19 )
* فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ... ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) سورة الطلاق، آية 2)
حاولنا إذن استحضار عدد قليل من القواعد الناظمة لموقع المرأة في الإسلام ومكانتها داخل الأسرة. لكن للأسف، خصوم الإسلام كما أبناؤه المتشددون أو الجاهلون، يلقون بكل ذلك وراء ظهورهم وليسوا يشهرون سوى الآية التي اشتهرت خطأ باسم آية الضرب.
وعلى الجملة فشريعة هذه قواعدها لا يمكن أن تقر العنف والضرب. بل إنها توحي بأنه لا يضرب إلا ضعيف أو مجنون أو قليل إيمان. فحينما شرَّع الإسلام القوانين والأحكام انطلق من أن المؤمن سيطبقها مستحضرا ضميره وخوفه من خالقه وأن كل مجتمع سيقيم المؤسسات التي تمنع التجاوز في استعمال الحق وتعاقب التجاوز. لذلك وحتى على فرض إجازة تأديب الزوجة من قبل زوجها كما يدعي الكثيرون، فلأن الإسلام وضع تدابير عديدة تنأى بالناس عن استعمال القوى وحتى الحاجة إليها، واعتمد في ذلك كثيرا على الوازع الديني وعلى العقل وعلى مخافة الله في كل حركة وسلوك وكلمة... وقد اقتضى أن الزوج الملتزم لا يتعسف أبدا فيما يدعيه لنفسه من حق بقصد تقويم اعوجاج الزوجة.
الموضوع : القواعد الضابطة لحسن معاملة المرأة في الإسلام المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs