تعالت رنات الهاتف النقال... امتدت يد من تحت الفراش الناعم تبحث عنه بعشوائية بجانبها تعثرت به أصابعها تحت الوسادة وضعته فوق أذنها
ثم همست بكسل : آلو نعم ..
انتفضت واقفة حال سماعها صوت المتصل الذي يطالبها بالاصغاء في هدوء...
رمت بالجهاز الغالي الثمن على الأرض حال انهائها للمكالمة، بدا الغضب على وجهها واضحا وهي تفرش أسنانها وتبدل ملابسها.
اتجهت نحو غرفة مكتب زوجها في آخر الممر بالطابق العلوي فتحت الباب بعنف مما لفت نظره وقال في استغراب: هل رأت حبيبتي كابوسا ما؟
أجابت فورا: نعم أفظع كابوس أعيشه ولا يريد أن ينتهي!
قام من مكانه فالأمر يحتاج لبعض من اهتمامه ،ربت على كتفها وهو يهمس بأذنها: مابال حبيبتي منزعجة ألا تعلمين أن الوقت لازال مبكرا
نظرت إليه في غضب وأجابته: بل تأخر كثيرا جدا ، كان يجب أن أضع نهاية لكل شيئ منذ زمن، لقد تغيرت كثيرا يا أمجد ، لم أعد أعرفك ،
صرت مخلوقا لا أعرفه حتى أنك قد تجردت من إنسانيتك!
أدار إليها بظهره وهو يتجه نحو الشرفة المطلة على حديقة القصر : عدتِ لنفس المقطع يا رحمة ؟ ألم نفرغ من هذه المعضلة؟
هل تشتاقين لأيام الفقر والبؤس؟ألم تعودي تذكرين يوم اتفقنا على الخطوبة لم يكن معي حتى ثمن الدبلة؟
ألا تذكرين أنك من دفعت ثمنها لكي لا يرفضني والدك ؟
اتجهت رحمة صوبه لتقف وراءه كما فعلت دائما !: لازلت أذكر ويبدو أنك من نسيت ذلك ، لو لم تنسى لما دست على انسانيتك وصرت انسانا
جشعا لا يشبع يفعل أي شيئ من أجل الربح ابتدأت عندما كنت موظفا في السجل المدني بتزوير الوثائق والسجلات
وقبض الرشاوي الى ان صرت واحدا من الذين كنت تزور من أجلهم ، أنت الآن من يدفع ، ولكن تدفع القليل لتقبض الكثير ...
أدار وجهه ناحيتها في غضب : ماهذا الهراء يا رحمة ؟ كيف تتهمينني هذا الاتهام الفظيع؟ أهذا رأيك في وجزائي؟ انظري حولك كم من الخدم
يخدمونك ، انظري الى هذا القصر الذي تسكنينه، باعتقادك هل كنت سأوفر لك هذا لو مازلت موظفا في السجل المدني ؟ لم تكن رشاوي ولا
تزوير إنه كان تسليك أمور بدل الروتين الذي يعطل مصالح رجال الأعمال الذين يخدمون هذا الوطن...
نظرت إليه نظرة استخفاف: تسليك أمور؟ كنت أرى كل شيئ يا أمجد بأم عيني تلك الملفات التي كنت تأتي بها إلى البيت ، كنت أرى تلك المبالغ
المالية في خزانة ملابسك كنت أستمع لتلك المكالمات الهاتفية، ولقد حاولت أن ألفت نظرك إلى أن ما تقوم به غير جائز
ولكنك لم تكن تبالي كنت دائما تغير الموضوع وأنا بدوري تمنيت أن ينتهي الأمر بعدما تتفقد نفسك ولكن لم تفعل بل صرت تقبض مبالغ
وتبيع مبادئك وها أنت اليوم تقع.. !
نظر إليها باستغراب: أقع؟ استطرد في كبرياء: أمجد لا يقع يا رحمة
بل وقعت يا أمجد !قالت في عصبية ....ألم تقرأ جرائد اليوم التي تتهم شركتك باستيراد مواد غذائية منتهية الصلاحية
ماذنب أولئك الضحايا الذين وقعوا جراء تناول تلك الأغذية السامة ، ماذنبهم؟أين تركت انسانيتك ؟ أين هو أمجد الذي كنت أعرفه؟ أين أنت أين؟
انهارت رحمة باكية ..بينما تعالت ضحكات أمجد وهو يقول: ألهذا أنت منزعجة؟
تعتقدين أنني سأسجن ؟ اطمئني حبيبتي نحن دائما نحسب لكل شيئ حساب وهناك من سيكون مسؤولا أمام القانون
بخصوص هذه المعضلة لا تخشي شيئا كل شيئ مدروس
قامت من الكرسي الذي تهاوت عليه وهي لا تصدق ما تسمع بدا الغضب على محياها وأنفاسها تكاد تختنق ،
استجمعت قواها لتقول في بصوت ضعيف متشنج: ألهذه الدرجة؟ أنت أسوأ مما اعتقدت ... أ أ ..أأنت حقا من يتكم معي الآن..؟
ءأ ء أنت أمجد .. .حبيبي .. الذي عرفته منذ أن كنا ندرس بالثانوية إلى أن تخرجنا من الجامعة؟
أأ ن .. ن... ت أ أ مجد .. لا لا ....
سقطت رحمة مغشيا عليها من هول صدمتها فيه....
__________
مرت الدقائق بطيئة قبل أن يبشر الطبيب السيد أمجد بأن زوجته قد استعادت وعيها وبإمكانه الدخول ...
اقترب أمجد من سريرها سحب الكرسي المواجه له فألقى جسده المتين فوقه ,مر وقت قصير تعانقت نظراتهما تماما كما كان يفعلان وهما
طالبين قبل أن يقاطعهما الطبيب : سيد أمجد , سيدة رحمة مبروك سترزقان بطفل !
تسمر الإثنان وهما لا يصدقان ما يسمعانه ، طفل؟ سيكون لهما طفل بعد 12 سنة من الزواج !
وأخيرا سيكون لي ولد ..الحمد لله الحمد لله.
قال أمجد في فرح وغبطة ولكن سرعان ما تلاشت فرحته وهو يرى تلك الدموع التي تسربت من عيني رحمة
قامت من سريرها تناولت حقيبة ملابس قديمة جاهزة استفسر عما هي فاعلة وما هذه الحقيبة البالية؟ فأجابته أن هذه حقيبة ملابسها القديمة
التي حصلت عليها عندما كان موظفا بسيطا فيها كل المستلزمات القديمة لم ترميها عندما انتقلا للعيش في هذا القصر
بل احتفظت بها ذكرى وقد جاء وقتها الآن فهي لن تحمل معها شيئا من هذا القصر.
خلعت من أصبعها ذلك الخاتم المرصع بالألماس , احتفظت فقط بذلك الذي اشترته بنفسها يوم خطوبتهما ..
حاول إقناعها بأن ما يفعله لأجلها ولأجل ذلك الطفل الذي سيأتى : حبيبتي أتعلمين أنه تدبير من الله ،
لم يرزقنا بأولاد عندما كنا فقراء لكي لا يعيشوا حياة بائسة وها هو سبحانه وتعالى يرزقنا بهم في الوقت المناسب . حبيبتي المال والبنون....
وقبل أن يكمل صرخت بوجهه : اصمت أرجوك لا تقترف المزيد من الذنوب، لا تحلل ما حرم الله ، لا تبحث عن أعذار ، كنت أتمنى أن تتوب
وأنت تعلم أنه سيكون لديك طفل الآن ولكنك وبعد ما سمعته ستصير ألعن وستأخذك الدوامة لأبعد ما يكون، لذا لا تحلم أن أسقي ابني الحرام
وأطعمه النار، لا تحلم بذلك فكل شيئ قد انتهى......
الموضوع : المـال والبنـون المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: قناص حضرموت توقيع العضو/ه :قناص حضرموت |
|