الإسلام دين عالمي يتَّجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وترسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعا في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس، بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم؛ فالجميع ينحدرون من "نفس واحدة"(1).
وعالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى؛ نظرا لأَنَّ التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوما بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة.
والإسلام دين يسعى من خلال مبادئه وتعاليمه إلى تربية أتباعه على التسامح إزاء كُلّ الأديان والثقافات، فقد جعل الله الناس جميعا خلفاء في الأرض التي نعيش فوقها، وجعلهم شركاء في المسؤولية عنها، مسؤولين عن عمارتها ماديا ومعنويا، كما يقول القرآن الكريم: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾(2) أي طلب منكم عمارتها وصنع الحضارة فيها، ومن أجل ذلك ميز الله الإنسان بالعقل، وسلحه بالعلم حتى يكون قادرا على أداء مهمته، وتحمل مسؤولياته في هذه الحياة.
ولهذا يوجه القرآن الكريم خطابه إلى العقل الإنساني الذي يعد أجل نعمة أنعم الله بها على الإنسان، ومن هنا فإن على الإنسان أن يستخدم عقله الاستخدام الأمثل، وفي الوقت نفسه يطلب القرآن من الإنسان أن يمارس حريته التي منحها الله له والتي هي شرط ضروري لتحمل المسؤولية، فالله سبحانه لا يرضى لعباده الطاعة الآلية التي تجعل الإنسان عاجزا عن العمل الحر المسؤول؛ فعلى الإنسان إذن أن يحرص على حريته، وألا يبددها فيما يعود عليه وعلى الآخرين بالضرر.
ومن شأن الممارسة المسؤولة للحرية أن تجعل المرء على وعي بضرورة إتاحة الفرصة أمام الآخرين لممارسة حريتهم أيضا؛ لأنَّ لهم الْـحَقّ نفسه الذي طلبه الإنسان لنفسه، وهذا يعني أن العلاقة الإنسانية بين أفراد البشر هي علاقة موجودات حرة يتنازل كل منهم عن قدر من حريته في سبيل قيام مجتمع إنساني يحقق الخير للجميع.
وهذا يعني بعبارة أخرى أن هذا المجتمع الإنساني المنشود لن يتحقق على النحو الصحيح إلا إذا ساد التسامح بين أفراده، بمعنى أن يحب كل فرد فيه للآخرين ما يحب لنفسه.
الموضوع : الإسلام دين عالمي المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs