خصوصية العبادة في شهر رمضان
{شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان..}*
كتب ليندا زراقط
شهر رمضان هو شهر الله، والصوم عبادة وفريضة فرضها الله سبحانه
وتعالى على عباده. وليس الصوم صوما جسديا فقط بل هو صوم أخلاقي وفكري
وروحي أيضا، وتكتسب العبادة في هذا الشهر الكريم خصوصية اكبر مما تكتسبه
في سائر الشهور خاصة فيما يتعلق بالدعاء، فالدعاء غذاء للروح وسلاح للمؤمن
وعن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: عليك بالدعاء فان فيه شفاء من
كل داء.
ولتوضيح خصوصية العبادة ودورها في شهر رمضان التقت "الانتقاد" مدير مكتب
الوكيل الشرعي للإمام القائد السيد علي الخامنئي سماحة الشيخ محمد توفيق
المقداد فكان هذا الحوار:
- عبادة الله سبحانه وتعالى واجبة في كل زمان ومكان، ولكن في شهر رمضان
المبارك تكتسب خصوصية أكبر، ما هي هذه الخصوصية؟ وما هو البرنامج العبادي
الذي يجب على الصائم اتباعه؟
1- : صحيح أن نظام العبادات في الاسلام واجب في كل زمان ومكان وعلى كل
مكلف مسلم الا أن عبادة الله في شهر رمضان المبارك تكتسب اهمية خاصة بسبب
أمور عديدة تجعل منها في هذا الشهر ذات طبيعة مميزة تفتقدها في باقي شهور
السنة وتلك الأسباب هي:
ـ أن شهر رمضان المبارك هو شهر فريضة الصوم التي تؤدى من خلال عدم الفعل
لا الفعل، بمعنى أن الصوم لا يتحقق الا بالامتناع عن المفطرات، وهذه
الميزة مفقودة في سائر العبادات.
- ان شهر رمضان هو شهر نزول القرآن وهو دستور المسلمين ومرجعهم الأساس.
- في شهر رمضان هناك ليلة القدر التي يقدر الله فيها أعمال الانسان لعام
كامل خصوصاً أنها الليلة التي أنزل الله فيها القرآن، ولها أعمال جليلة
القدر من صلاة ودعاء وسور قرآنية خاصة.
- هو شهر الله الذي دعانا فيه لضيافته وجعل مميزات كثيرة على مستوى
الترغيب بالأجر والثواب والمغفرة والرحمة، والتي يرغب بها كل انسان مؤمن
لأنها تنفق يوم القيامة عندما يقوم الناس للحساب أمام الخالق العظيم،
ويكفي الرجوع الى خطبة النبي (ص) لكي يتبين لنا كم هي المنافع الدينية
والروحية والايمانية التي أعدها الله للصائمين من عباده.
وأما البرنامج العبادي فيمكن تلخيصه فيما يلي:
1- الصوم لمن لا يضره لأنه الاساس في هذا الشهر المبارك.
2-الدعاء بشرطه وشروطه.
3- قراءة القرآن كذلك.
4-الابتعاد عن كل المحرمات والالتزام بكل الواجبات.
5-الاكثار من الاستغفار والصلاة على محمد وآل محمد(ص)...
6-الصلاة في أوقاتها خصوصاً في شهر الصوم فضلاً عن كل الشهور الأخرى.
7-الالتزام بصلاة الليل ولو لم تكن واجبة الا أن الالتزام بها له منافع
كثيرة عند الله تعود لمصلحة العبد المؤمن الملتزم بأدائها خصوصاً في شهر
رمضان المبارك.
8-الاخلاص في كل عمل يقوم به الصائم وأقل مراتب الاخلاص أن يأتي العبد
الملتزم بالعمل لأن الله أمر به من دون أن يطلب جزاء أو شكوراً من الناس.
- تغلّ ايدي الشيطان في شهر رمضان المبارك ما السرّ وراء ذلك؟
- لا شك أن الله عندما يفتح باب الرحمة لعباده في هذا الشهر المبارك لكي
يتزودوا منه بما ينفعهم في الدنيا والآخرة فهو لا شك يسد عليهم أبواب جهنم
من خلال سد الباب أمام الشيطان وأتباعه من الذين يوسوسون للناس حتى لا
يصوموا ولا يلتزموا بأعمال هذا الشهر الفضيل والمهم، ولأن إغلال أيدي
الشياطين من الوسوسة يساعد الناس على الصيام في هذا الشهر المبارك فضلاً
عن الأعمال الأخرى الواجبة أو المستحبة في هذا الشهر المبارك، ولذا نرى أن
الكثير من الناس الذين لا يلتزمون بالواجبات الدينية في باقي أشهر السنة
يحاولون في هذا الشهر الكريم تجميع قواهم الروحية أو ما تبقى منها فيهم
لكي يلتزموا بأعمال هذا الشهر المبارك، وهذا تطبيق عملي عن قدرة الله في
اغلال يد الشياطين واغلاق ابواب النيران لتشجيع المسلمين على الاستفادة من
هذه الفرصة السنوية لتعديل ميزان أعمالهم من الحسنات والخيرات، وأما
المسلم الملتزم فهو يؤدي في هذا الشهر المبارك فرصة ثمينة لا تعوض لكي
يزيد رصيده عند الله، لذا نرى أن الذنوب تقل كثيراً في رحاب ليالي وأيام
شهر رمضان لأن الصائم يحرص على التزام أعمال هذا الشهر بدقة كبيرة أكثر
مما يفعل ذلك في باقي الشهور.
- من الادعية الخاصة بشهر رمضان المبارك دعاء الافتتاح كل يوم ودعاء الجوشن الكبير في ليلة القدر فما هي خصائصهما؟
لا شك أن للدعاء وضعية خاصة في شهر رمضان المبارك "دعاؤكم فيه مستجاب"،
ولذا ورد عن النبي (ص) والائمة (ع) الكثير من الادعية الخاصة بهذا الشهر،
وهناك أدعية لافتة للنظر في دلالتها وأبعادها الروحية والمعنوية
والعقائدية وبالأخص دعاء الجوشن الكبير الذي يتضمن نقطتين أساسيتين:
الأولى: أن هذا الدعاء هو المشتمل على كل الأوصاف الجليلة لله عز وجل حيث
تبين أنه الخالق والرازق وأنه الأول والآخر وأن كل شيء راجع اليه، فهو
المبدئ ولله المنتهى، وأن الانسان محتاج في وجوده من حيث ضعفه الى المدد
الالهي بشكل مستمر.
الثانية: الاستعانة بالله للخلاص من النار، ولا شك أن القوة الوحيدة
القادرة على انقاذ الانسان من النار هو رب العالمين، ولذا كان هذا الربط
بين فقرات الدعاء المئة التي تتضمن كل واحدة منها صفات لله عز وجل تعبر عن
القدرة اللامتناهية لله عز وجل وتبين قدرته على تخليص الصائم من النار،
وتمجيد الله يؤدي بالانسان الى أن يعيش حياة منضبطة في شهر رمضان خاصة
وسائر أيام السنة عامة على أمل أن يحظى بفرصة النجاة من النار كما قال
الله في القرآن {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}.
وأما دعاء الافتتاح فيشتمل على عدة نواح أخروية ودنيوية تتعلق بحياة
المسلمين في المجتمع العالمي الذي توجد فيه قوى الخير وقوى الشر اللتين
تتصارعان، ولذا نرى أن هذا الدعاء يبدأ بتبيان قدرة الله على الرحمة وعلى
العقاب ثم يبين المواصفات الجليلة لله عز وجل كما سبق أن اشرنا في مواصفات
دعاء الجوشن الكبير، ثم يبدأ الدعاء بالاعتراف بالنبي (ص) ودوره ومكانته
عند الله عز وجل ثم الاعتراف بخلفائه وهم الأئمة (ع)، ثم يتوقف الدعاء
عند الامام المهدي (عج) ويبين وظيفته التي ادخره الله لها وهي ملء الدنيا
قسطاً وعدلا بدلاً من الظلم والجور الذي يشمل حياة البشرية، ثم يبين
الدعاء مظلومية أتباع خط الأئمة بسبب غياب إمامهم وتسلط الظالمين عليهم
حيث يدعو المؤمنون ربهم أن يعجل في ظهور الامام (عج) لانقاذ شيعته
والمسلمين والمظلومين من بطش الجبابرة والمستكبرين والظالمين. وبالجملة
هذا الدعاء الوارد عن الامام المهدي (عج) يريد منا أن نقرأه ونتوجه الى
الله لإنقاذنا من أيدي الظالمين تطبيقاً لقوله تعالى {ونريد أن نمن على
الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين..}، وهذا ما يدفع
المؤمن بالامام المهدي (عج) لأن يسعى جاهداً للقيام بكل عمل يرى فيه
تعجيلاً لظهور الامام وللقتال بين يديه لانقاذ البشرية الباحثة عن العدالة
والأمن والسلام والطمأنينة والهدوء.
- ما هي الكلمة أو النصيحة التي توجهها للمسلمين عامة وللصائمين خاصة؟
ان يستغلوا كل لحظة من نهارات وليالي شهر رمضان لان الانسان يعيش معها
الصدق والاخلاص والايمان والتوبة والاستفادة من القيام بهذا الواجب العظيم
بارتقاء مقامه عند الله سبحانه وتعالى ايماناً، وان يكون صومهم طبقأً
لاصول الشريعة الاسلامية والابتعاد عن النميمة والغيبة، وان يكون صومهم
صادقاً.
أطلب من بناتنا وابنائنا بدلاً من ان يقضوا سهراتهم في تجمعات واماكن لا
تنفع ان يستفيدوا من هذه المناسبة فالحياة قصيرة وشهر رمضان محطة سنوية
للانسان ليطهر بها قلبه ويقوي علاقته بالله، وان يتوب الى الله سبحانه
وتعالى توبة نصوحة واحياء الليل بالاستغفار وصلاة الليل والدعاء، فمن قرأ
آية فيه كمن ختم القرآن في غيره من الشهور، فبدلا من الجلوس في
الكافيتيريا او القهوة لساعات طويلة او حتى الساعات الاولى من الصباح فشهر
رمضان هو الفرصة الوحيدة في السنة كي يعادل الانسان الميزان بين سيئاته
وحسناته، ويعطيه المنزلة والمقام الرفيع الذي يجعل الله يمحو كل سيئاته
التي ارتكبها في كل العام، ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على ان نصوم الصوم
الذي يحقق لنا المنافع الروحية وأن يتقبل صيامنا ليكون لنا ذخراً لنا يوم
القيامة... يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم....
ان ايام شهر رمضان المبارك ايام فضيلة، علينا اغتنام الفرصة والاستفادة
منها لتحسين مستوانا الروحي والثقافي والعبادي ولا ندعها تمر علينا مرور
الكرام دون كسب الأجر والثواب، وليكن هذا الشهر لنا جسر العبور لدخول روضة
النور وجنان الخلد.
الموضوع : خصوصية العبادة في شهر رمضان المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: محمد شريف