عبدالرحمن الأبنودى
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
image
إنه ذلك الشاعر المصرى الكبير الذى تغنّت بأشعاره ثلاثة أجيالٍ كاملة، وهو
الصعيدى الذى خرج من طين مصر فى أقصى جنوبها ليفرض اسمه على شمالها ثم
مخترقًا الحدود نحو الشعوب العربية الأخرى حتى تذوق العرب أشعار العامية
المصرية ورددوها كلماتٍ وغناء، إنه (حراجى القط) كما أداعبه أحيانًا
انطلاقًا من اسم بطل قصيدته الشهيرة التى تغنى بها «بناة السد العالى»
عندما انطلقت كلمات «الأبنودى» بعدها لتجسد الانتصارات والانكسارات وتحكى
قصة شعبٍ واجه أعتى التحديات وأصعب الظروف،
وردد «العندليب الأسمر» كلمات الشاعر المصرى الكبير وهو يشحذ الهمم ويرفع
المعنويات بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، وهى أيضًا أشعار «الأبنودى» التى رددتها
الجماهير العربية بعد عبور ١٩٧٣، فأرَّخ شعر «الأبنودى» للمحنة
وللانفراجة، للهزيمة وللنصر، لأكثر اللحظات شدة وانكسارًا، وأكثرها قوةً
ومجدًا، وتربطنى بهذا الشاعر الكبير صلات محبةٍ دائمة وودٍ متصل، فأنا أرى
فى صوته وسحنته رَجْع الصدى لأجدادنا الفراعنة العظام، بل إن وجهه الصخرى
المنحوت من جرانيت أسوان ولونه البرونزى الموشى بشمس مصر وقامته الفارهة
التى تعبر عن كبرياء النيل وتكاد تلامس أحجار الهرم تجعله أمامى «فرعون»
الشعر المصرى الحديث..
لقد ربطتنى به صلة عميقة حتى ظهر له مريدٌ رائع هو الصديق المشترك الكاتب
الصحفى «سليمان جودة» حيث دعانا «الأبنودى» إلى داره على مائدة طعام ضمت
الوزير الراحل الذى تشير إليه أنوار «مصر» - «ماهر أباظة» والأستاذ
«سليمان جودة»، وأنا إلى جانب عدد قليل من الأصدقاء، وأكلنا طعامًا اختلط
فيه لحم البط المحمر بقفشات «الأبنودى» الساخرة مع ضيافته الكريمة، وقد
أطلت علينا قرينته وهى مذيعةٌ تليفزيونية لامعة وأخت فاضلة، ولكن «جينات»
«الأبنودى» الفرعونية غلبت على «جينات» المذيعة المتألقة، فخرجت بناته
نسخةً منه وامتدادًا لوسامته الصعيدية ولونه المصرى الخالص،
ولقد تواصلت صلتى به دائمًا وتابعته بكل التقدير، وعندما كنت سفيرًا لمصر
فى «النمسا» تمنيت أن تدق أشعاره وأهازيجه أبواب أوروبا حيث جاليات مصرية
وعربية متعطشة إلى ما يقول، حفية بأشعاره عارفةٌ بتاريخه، ومازلت أتذكر
تلك الأمسية التى أقامها الصديق الراحل الذى لا أنساه أبدًا - «د.سمير
سرحان»، وكان ذلك فى الساحة الواسعة لقلعة صلاح الدين بالقاهرة، حيث تابع
المئات من المصريين والعرب «الأبنودى» وهو يتغنى بأشعاره وينقل المشاهدين
إلى ساعات الهوان وسنوات المجد فى تاريخنا القومى، ولقد لفت نظرى أن عددًا
من أعضاء الوفد الأردنى الموجود فى تلك المناسبة كانوا يحفظون ما يقول
ويسبقونه فى تذكر أبيات شعره التى لن تغيب أبدًا عن الذاكرة العربية.
إن «عبدالرحمن الأبنودى» يجسد فى تاريخنا الشعبى ملحمة «الحرب والسلام»،
ملحمة «الانقضاء والبناء»، لأنه شاعر شديد الحساسية مرهف الحس دقيق
العبارة، وأنا لن أنسى ما حييت روعة خطاب (حراجى القط) الذى كان يشارك فى
بناء «السد العالى»، والذى وجهه إلى زوجته «فاطنة» والمشاعر الجيَّاشة
والأفكار المتدفقة والأوصاف الرائعة التى تضمنتها تلك الرسالة من زوجٍ
كادح يشارك فى بناء قواعد المجد كما قال شاعر النيل «حافظ إبراهيم»، وذلك
الكادح الذى لفحه لهيب شمس «أسوان» يقول لزوجته الوفية إننا لن نتغير
أبدًا إلا صعودًا إلى العلا ويذكرها بسنوات الحب والحزن والحياة وكأن
صوتًا من الماضى السحيق يخاطب الحاضر بكل ما له وما عليه..
إنه «عبدالرحمن الأبنودى»، تلك الظاهرة الشعرية التى غزت أركان الوطن
وتركت بصماتها فى كل مكان، متعه الله بالصحة جزاء ما قدم لوطنه ومواطنيه
من كلمات سوف تظل ترددها أجيالٌ قادمة لسنواتٍ طويلة.
جريدة "المصري اليوم" المصرية
د. مصطفى الفقي
الموضوع : عبد الحمن الابنودى معلومات عنه المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: مهـ مع القرآن ـاجر توقيع العضو/ه :مهـ مع القرآن ـاجر |
|