حمد لله الذى جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً و حصناً
و جعل البيت العتيق مثابة للناس و أمناً
و أكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفاً و تحصيناً و مناً
و جعل زيارته و الطواف به حجاباً بين العبد و بين العذاب و مجناً
و الصلاة على محمد نبى الرحمة و سيد الأمة
و على آله و صحبه قادة الحق و سادة الخلق
و سلم تسليما كثير
السعى بين الصفا و المروة
أصل مشروعيته
روى البخارى
عن أبن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال
[ جاء إبراهيم عليه السلام بهاجر و بأبنها إسماعيل عليهم السلام
و هى ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم
فوضعهما تحتها و ليس بمكة يومئذ من أحد و ليس بها ماء
و وضع عندهما جراباً فيه تمر ، و سقاء فيه ماء
ثم قفى إبراهيم منطلقا
فتبعته إم اسماعيل :فقالت يا إبراهيم
أين تذهب و تتركنا بهذا الوادى الذى ليس به أنيس و لا شئ
فقالت له ذلك مراراً
فجعل لا يلتفت إليها فقالت : أالله أمرك بهذا
قال : نعم
قالت : إذن لا يضيعنا
فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه
أستقبل بوجهه جهة البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات
رفع يديه و قال :
{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }
إبراهيم37
و قعدت أم اسماعيل تحت الدوحة
و وضعت أبنها إلى جنبها
و علقت شنها تشرب منه ، و ترضع أبنها
حتى فنى ما فى شنها فأنقطع درها
و أشتد جوع أبنها حتى نظرت إليه يتشحط
فأنطلقت كراهية أن تنظر إليه
فقامت على الصفا و هو أقرب جبل لها ثم أستقبلت الوادى تنظر
هل ترى أحد فلم تر أحداً
فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادى
رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعى أنسان مجهود حتى جاوزت الوادى
ثم أتت المروة فقامت عليها و نظرت
هل ترى أحداً......فلم تر أحد
ففعلت ذلك سبع مرات ]
قال أبن عباس رضى الله عنهما
قال النبى صلى الله عليه و سلم
( فلذلك سعى الناس بينهما )
حكم السعى بين الصفا والمروة
أختلف العلماء فى حكم السعى بين الصفا و المروة إلى أراء ثلاث
الرأى الاول
ذهب أبن عمر ، و جابر ، و عائشة من الصحابة رضى الله عنهم
و مالك ، و الشافعى ،و أحمد
إلى أن السعى ركن من أركان الحج
بحيث لو ترك الحاج السعى بين الصفا و المروة
بطل حجه و لا يجبره بدم و لا غيره
و أستدلوا لمذهبهم بهذه الأدلة
روى البخارى
عن الزهرى قال عروة رضى الله عنهما
[ سألت أمنا عائشة رضى الله عنها و عن ابيها فقلت لها أرأيت
قول الله تعالى
{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }
البقرة158
فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا و المروة
قالت : بئسما قلت يا أبن أخى
أن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لايطوف بهما
و لكنها أنزلت فى الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية
التى كانوا يعبدونها عند المشلل ]
فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا و المروة
فلما أسلموا
سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقالوا :
[ يارسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا و المروة
فأنزل الله تعالى
{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }
البقرة158
قالت عائشة رضى الله عنها
[ و قد سن رسول الله صلى الله عليه و سلم الطواف بينهما
فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ]
و روى مسلم
عن عائشة رضى الله عنها قالت
[ طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم و طاف المسلمون
يعنى بين الصفا و المروة فكانت سُنة
و لعمرى ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا و المروة ]
و عن حبيبه بنت أبى تجرأة رضى الله عنها
أحدى نساء بنى عبد الدار قالت :
[ دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبى حسين ننظر إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هو يسعى بين الصفا و المروة و إن مئزره ليدور فى وسطه
من شدة سعيه حتى إنى لأقول إنى لأرى ركبتيه
و سمعته صلى الله عليه و سلم يقول
( أسعوا فان الله كتب عليكم السعى ) ]
رواه أبن ماجة ، و أحمد ،و الشافعى
و لأنه نسك فى الحج و العمرة فكان ركنا فيهما كالطواف بالبيت
الراى الثانى
و ذهب أبن عباس ، و أنس ، و أبن الزبير ، و أبن سيرين
و رواية عن أحمد
أنه سنة ، لا يجب بتركه شئ و أستدلوا
بقوله تعالى
{ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا }
البقرة158
و نفى الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه
فان هذا رتبة المباح
و أنما تثبت سنيته بقوله ( من شعائر الله )
و روى فى مصحف أُبى ، و أبن مسعود
فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما
و هذا و أن لم يكن قرأنا
فلا ينحط عن رتبة الخبر فيكون تفسيرا
و لأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركنا كالرمى
الرأى الثالث
ذهب أبو حنيفة ، و الثورى ، و الحسن
إلى أنه واجب و ليس بركن لا يبطل الحج أو العمرة بتركه
و أنه إذا تركه وجب عليه دم
و رجح صاحب المغنى هذا الرأى فقال
1 وهو أولى لأنه دليل من أوجبه
دل على مطلق الوجوب لا على كونه لا يتم الواجب إلا به
2 و قول عائشة رضى الله عنها
فى ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة
3 و حديث بنت أبى تجرأة
قال أبن المنذر يرويه عبد الله بن الؤمل
و قد تكلموا فى حديثه و هو يدل على أنه مكتوب و هو الواجب
4 و أما الآية فأنها نزلت لما تحرج ناس من السعى فى الإسلام
لما كانوا يطوفون بينهما فى الجاهلية
لأجل صنمين كانا على الصفا و المروة
ماهى شروط السعى بين الصفا والمروة
يشترط لصحة السعى الأمور التالية :
1 أن يكون بعد الطواف
2 أن يكون سبعة اشواط
3 و ان يبدأ بالصفا و يختم بالمروة
4 و أن يكون السعى فى المسعى
و هو الطريق الممتد بين الصفا و المروة
لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوله :
)خذوا عنى مناسككم (
فلو سعى قبل الطواف
أو بدأ بالمروة و ختم بالصفا
أو سعى فى غير المسعى بطل سعيه
الصعود على الصفا
و لا يشترط لصحة السعى أن يرقى على الصفا و المروة
و لكن يجب عليه أن يستوعب ما بينهما
فيلصق قدمه بهما فى الذهاب و الإياب
فأن ترك شيئا لم يستوعبه لم يجزئه حتى يأتى
المولاة فى السعى
و لا تشترط الموالاة فى السعى
فلو عرض له عارض يمنعه من مواصلة الأشواط
أو أقيمت الصلاة فله أن يقطع السعى لذلك
فأذا فرغ مما عرض له بنى عليه و أكمله
فعن أبن عمر رضى الله عنهما
[ انه كان يطوف بين الصفا و المروة
فأعجله البول فتنحى و دعا بماء فتوضأ
ثم قام فأتم على ما مضى ]
رواه سعيد بن منصور
كما لا تشترط الموالاة بين الطواف و السعى
قال فى المغنى
قال أحمد
لابأس أن يؤخر السعى حتى يستريح أو إلى العشى
و كان عطاء و الحسن لا يريان بأسا
لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا و المروة إلى العشى
و فعله القاسم و سعيد بن جبير
لأن الموالاة إذا لم تجب فى نفس السعى
ففيما بينه و بين الطواف أولى
و روى سعيد بن منصور
أن سودة زوج عروة بن الزبير
سعت بين الصفا و المروة
فقضت طوافها فى ثلاثة أيام و كانت ضخمة
الطهارة للسعى
ذهب أكثر أهل العلم
إلى أنه لا يشترط الطهارة للسعى بين الصفا و المروة
لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم
لأمنا السيدة / عائشة / رضى الله عنها و عن أبيها حين حاضت
( فأقضى ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى )
روى هذ مسلم
و قالت أمنا عائشة و أمنا أم سلمة رضى الله عنهما
[ إذا طافت المرأة بالبيت و صلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا و المروة ]
رواه سعيد بن جبير رضى الله عنه
و أن كان المستحب أن يكون المرء على طهارة فى جميع مناسكه
فان الطهارة أمر مرغوب شرعا
المشى و الركوب فى الصفا و المروة
يجوز السعى راكبا و ماشيا و المشى أفضل
و فى حديث أبن عباس رضى الله عنهما
ما يفيد أنه
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مشى
فلما كثر عليه الناس و غشوه ركب ليروه و يسألوه
قال أبو الطفيل لأبن عباس رضى الله عنهم
أخبرنى عن الطواف بين الصفا و المروة راكبا أسنة هو ؟
فأن قومك يزعمون أنه سنة
قال رضى الله عنهما :
[ صدقوا و كذبوا ]
قال قلت : و ما قولك صدقوا و كذبوا
قال رضى الله عنهما :
[ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد
حتى خرج العواتق من البيوت ] .
و العواتق هى : جمع عاتق و هى البكر البالغة ،
سميت بذلك لأنها عتقت من الإبتذال و التصرف الذى تفعله الطفلة
ثم قال رضى الله عنهما :
[ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يضرب الناس بين يديه
فلما كثر عليه الناس ركب ]
و المشى و السعى أفضل رواه مسلم و غيره
و الركوب و أن كان جائزا إلا انه مكروه
قال الترمذى
و قد كره قوم من أهل العلم أن يطوف الرجل بالبيت
و بين الصفا و المروة راكبا إلا من عذر
و هو أيضاً قول الشافعى
أما عند المالكية
فإن من سعى راكبا من غير عذر أعاد أن لم يفت الوقت
و أن فات فعليه دم
لأن المشى عند القدرة عليه واجب
و كذا أيضاً يقول أبو حنيفة
و عللوا ركوب رسول الله صلى الله عليه و سلم
بكثرة الناس و إزدحامهم عليه و غشيانهم له
و هذا عذر يقتضى الركوب
إستحباب السعى بين الميلين
يندب المشى بين الصفا و المروة
فيما عدا ما بين الميلين
فأنه يندب الرمل بينهما
و قد تقدم حديث بنت أبى تجرأة و فيه
ان النبى صلى الله عليه و سلم
سعى حتى أن مئزره ليدور من شدة السعى
و فى حديث أبن عباس المتقدم و المشى و السعى أفضل
أى السعى فى بطن الوادى بين الميلين و المشى فيما سواه
فأن مشى دون ان يسعى جاز
فعن سعيد بن جبير رضى الله عنه قال
رايت ابن عمر رضى الله عنهما
يمشى بين الصفا و المروة
ثم قال أبن عمر رضى الله عنهما :
[ إن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشى
و أن سعيت فقد رايت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسعى
فأنا شيخ كبير ]
رواه أبو داود و الترمذى
أما المرأة فأنه لا يندب لها السعى
بل تمشى مشيا عاديا
روى الشافعى
عن عائشه رضى الله عنها و عن أبيها أنها قالت
[ و قد رأت نساء يسعين أما لكن فينا أسوة ليس عليكن سعى ]
إستحباب الرقى على الصفا و المروة
و الدعاء عليهما مع إستقبال البيت
يستحب الرقى على الصفا و المروة
و الدعاء عليهما بما شاء من أمر الدين و الدنيا مع إستقبال البيت
فالمعروف من فعل النبى صلى الله عليه و سلم
إنه خرج من باب الصفا
فلما دنا من الصفا قرأ
ان الصفا والمروه من شعائر الله
أبدأ بما بدأ الله به
فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت
فأستقبل القبلة فوحد الله و كبره ثلاثا و حمده و قال
لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له
له الملك و له الحمد يحيى و يميت و هو على كل شئ قدير
لا إلَه إلا الله وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده
ثم دعا بين ذلك
و قال مثل هذا ثلاث مرات
ثم نزل ماشيا إلى المروة حتى أتاها فرقى عليها
حتى نظر إلى البيت ففعل فى المروة كما فعل فى الصفا
و عن نافع قال
سمعت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما
و هو على الصفا يدعو و يقول :
[ اللهم إنك قلت
أدعونى أستجب لكم و إنك لا تخلف الميعاد و إنى أسألك
كما هديتنى للإسلام أن لا تنزعه منى حتى تتوفانى و أنا مسلم ]
الدعاء بين الصفا و المروة
يستحب الدعاء بين الصفا و المروة و ذكر الله و قراءة القرأن
و قد روى أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول فى سعيه :
( رب أغفر و ارحم و أهدنى السبيل الأقوم )
و روى عنه صلى الله عليه و سلم أيضاً :
( رب أغفر و ارحم إنك أنت الأعز الأكرم )
و بالطواف و السعى تنتهى أعمال العمرة
و يحل المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعا
و يبقى على إحرامه إن كان قارناً ، و لا يحل إلا يوم النحر
و يكفيه هذا السعى عن السعى بعد طواف الفرض إن كان قارناً
و يسعى مرة أخرى بعد طواف الإفاضه إن كان متمتعاً
و يبقى بمكة حتى يوم التروية
الموضوع : بعض أحكام الحج ) المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: شهد شحاتة