مستقبل اللغة العربية

مدينتى : الاسكندرية

إن مستقبل اللغة العربية هو جزء لا يتجزّأ من مستقبل الأمة العربية الإسلامية، فإذا ازدهر وأشرق وكان أفضل من الحاضر، ازدهرت اللغة العربية وتطورت وتحسّن وضعها.
لقد اجتهد جمهرة من العلماء واللغويين والنحاة من أساتذة الجامعات، وبعضهم من أعضاء هذا المجمع، اجتهادات شتى في مجال إصلاح تعليم اللغة العربية، وتيسير قواعد النحو. وأذكر من بين مَن هم في طليعة هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور شوقي ضيف الرئيس السابق للمجمع، والدكتور عباس حسن. أما الدكتور طه حسيـن الرئيس الأسبق للمجمع، فقد كان من أوائل من دعا إلى الإصلاح اللغوي. وعلى أهمية هذه الاجتهادات جميعاً، فإني أميل إلى القول بأن إصلاح اللغة العربية، أو بعبـارة أدق إصلاح تعليمها، حتى تواكب متغيـرات العصر، أمرٌ يتطلب إصلاح المجتمع قاطبة، ومن النواحي كافة.
وأعود إلى الدكتور طه حسين الذي كتب عن إصلاح تعليم اللغة العربية، فقال في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، مجيباً عن سؤال مهم طرحه على نفسه حول الدواعي والأسباب التي تدفع إلى تعلم اللغة العربية : »لماذا نعلّم اللغة العربية في المدارس العامة وفي غيرها من المدارس؟. وما أظنّ أننا نستطيع أن نجيب عن هـذا السؤال. إلاّ بجواب واحـد، وهو أن اللغة العربية هي لغتنا الوطنية، فنحن نتعلّمها ونعلّمها لأنها جزء مقوّم لوطنيتنا ولشخصيتنا القومية، لأنها تنقل إلينا تراث آبائنا وتتلقى عنا التراثَ الذي ستنقله إلى الأجيال المقبلة، ثم لأنها الأداة الطبيعية التي نصطنعها في كل يوم، بل في كل لحظة ليفهم بعضنا بعضاً، وليعاون بعضنا بعضاً على تحقيق حاجاتنا العاجلة والآجلة، وعلى تحقيق منافعنا الخاصة والعامة، وعلى تحقيق مهمتنا الفردية والاجتماعية في الحياة إذا كانت لنا مهمةٌ في الحياة. ونحن نصطنع هذه الأداة ليفهم بعضنا بعضاً كما قلنا، ولنفهم أنفسنا أيضاً. فنحن إنما نشعر بوجودنا وبحاجاتنا المختلفة وعواطفنا المتباينة وميولنا المتناقضة حين نفكر. ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلاّ بالتفكير، ونحن لا نفكر في الهـواء ولا نستطيع أن نعرض الأشياء على أنفسنا إلاّ بصورة في هذه الألفاظ التي نقدرها في رؤوسنا ونُظهر منها للناس ما نريد، ونحتفظ منها لأنفسنا بما نريد. فنحن إذاً نفكر بهذه اللغة، ونحن إذاً لا نغلو إن قلنا إنها ليست أداةً للتعامل والتعاون الاجتماعيين فحسب، وإنما هي أداةٌ للتفكير والحس والشعور بالقياس إلى الأفراد من حيث هم أفراد أيضاً. وإذا كان هذا حقاً، فنحن نتعلم اللغة العربية ونعلمها لأنها ضرورةٌ من ضرورات حياتنا الفردية والاجتماعية، ووسيلة أساسية إلى منافعنا مهما تختلف قرباً وبعداً ويسراً وعسراً. وإذاً فنحن لا نتعلم اللغة العربية ولا نعلّمها لأنها لغة الدين فحسب، وإنما نتعلمها ونعلمها لأنها أوسع من ذلك وأشمل وأعمّ. ونحن لا نتعلّم اللغة العربية ونعلّمها لأنها لغة القدماء من العرب والمستعربين، وإنما نتعلمها ونعلّمها لأنها لغتنا، ولأنها لغة الأجيال المقبلة أيضاً، أو لأننا نريد أن تظل لغة هذه الأجيال«(4).
يقول الدكتور طه حسين : »إن مسألة إصلاح علوم اللغة العربية قد أصبحت من الوضوح والجلاء بحيث لا يجادل فيها إلاّ الذين يحبون الجدال والمراء. وأعتقد أن هذا الإصلاح شرط أساسي لإصلاح التعليم كله، فإنك حين تعلم في لغة من اللغات، لن تبلغ من التعليم شيئاً إذا لم تكن لغة التعليم واضحة سهلة قريبة إلى العقول والقلوب. وأنا أريد كما يريد كثير من الناس، أن يشدد على المعلمين في أن يصطنعوا اللغة الفصحى فيما يلقون على تلاميذهم من الدروس مهما تكن مادتها. ولكني أشفق أولاً من أن يعجز المعلمون عن تحقيق هذه الأمنية، لأنهم لا يحسنون اللغة العربية(5)، وأشفق ثانياً من أن يحاول المعلمون تحقيق هذه الأمنية فلا يبلغون شيئاً، وتصرفهم هذه المحاولة عن إتقان التعليم نفسه، فيضيع على التلاميذ حظهم من المادة العلمية دون أن يبلغوا باللغة العربية ما نريد من الإتقان. وهذا الإصلاح لم يكن في يوم من الأيام لازماً محتوماً كما هو الآن«(6).
لقد راج مصطلح (التنمية الشاملة) خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وينصرف الذهن عند ذكر التنمية من حيث هي، إلى النشاطات الاقتصادية، والمجالات الاجتماعية، وميادين العلوم والتقانة. وقد يتسع مدلول هذا المصطلح ليشمل (التنمية الثقافية)، أو (التنمية التربوية)، أو بعبارة أرحب مدلولاً (التنمية الإنسانية). ولم ينتبه أحدٌ من الباحثين في حقول اللغة إلى توسيع مفهوم المصطلح ليدخل ضمنه (التنمية اللغوية)، باستثناء الأستاذ الشاذلي القليبي زميلنا في المجمع الذي تنبه إلى توظيف مفهوم التنمية في النهوض باللغة العربية في بحث له نشر في مجلة المجمع بعنوان (بعض الإشكاليات المتعلقة بلغتنا العربية). يقول فيه : »إن عمد شعب من شعوبنا العربية، في مسيرته الإنمائية، إلى اقتباس العلوم والتقنيات اللازمة، دون هضمها وتحويلها إلى لغته، ليتم له بذلك تملكها و"الاستيلاء" عليها ـ حسب عبارة ابن خلدون ـ فمن الواضح أن عملية التنمية ستبقى عرجاء، إذ هي لم تشمل اللغة الوطنية ـ أو القوميـة ـ وما إليها من طاقات المجتمع الحضارية. وبالتـالي سيتولد عن ذلك جملـة من العلل الاجتماعيـة، منها الهجرة الذهنية. وبذلك ندرك مدى أهمية الفصحى في سياق تنمية مجتمعاتنا، إذ التنمية ليست مما يمكن استيراده من الخارج، من خلال الهضم والاستيعاب، فكراً وتعبيراً، بفضل أداة التملّك الأساسية لدى الإنسان وهي اللغة. وبدون ذلك تبقى التنمية سطحية، غير منغرسة في تربة ثرية تفتّق الطاقات الذاتية التي هي مرتكز التنمية«.
ثم يقول الأستاذ الشاذلي القليبي الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية : »إن تنمية الفصحى من شروط تنمية مجتمعاتنا، لأنها هي لغة العلوم والثقافة والتقنيات، بالنسبة إلينا جميعاً. لكن، لما كانت الفصحى ملكاً مشتركاً بين كل شعوبنا، فذلك يخرجها عن أن تكون لغة معزولة، إذ يشترك في الانتساب إليها شعوب عشرين دولة (هي اليوم اثنتان وعشرون)، تحتل منطقة من أهم مناطق العالم، من الناحية الاستراتيجية. وهو ما يزيد في أهميتها، وفي الوقت نفسه يمثّل عامل تسريع لنموّها بفضل تضافر جهود كل الشعوب المنتمية إليها. ومن ذلك نستنتج ضرورة تعاون شعوبنا في النهوض الثقافي والحضاري، ويتضامن هذا مع أسباب اقتصادية تفرض على دولنا إقامة مشروع إنمائي عربي، إذ التنمية الشاملة الحقيقية لم تعد في متناول الشعوب المعزولة، في عصر تسيطر فيه الكتل العظمى على الاقتصاد الدولي«(7).
إن التنمية اللغوية لا تنفصل عن التنمية الشاملة المستدامة التي تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية جميعاً، مما يعني أن هذا الضرب من التنمية هو الإصلاح الشامل عينُه. لأنه لا يمكن لك أن تصلح شأن اللغة قبل إصلاح الشأن العام في المجتمع. ولا يتيسر لك تطوير اللغة وإغناؤها وبث روح جديدة فيها حتى تواكب العصر الذي أنت فيه وتحافظ على سلامتها، ما لم تأخذ أوضاعك وأحوالها وشؤونك كلها سبيلها إلى التطوير الشامل المتكامل.
وانطلاقاً من هذا الربط بين اللغة وبين أحوال المجتمع، الذي نؤكد على ضرورته، فإن مستقبل اللغة العربية في عالم متغير، مقرونٌ بالتنمية الشاملة المتكاملة المتوازنة في جميع الوطن العربي والعالم الإسلامي. وإن كان هذا لا ينال من الجهود التي تبذل، على أكثر من مستوى، لإصلاح تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية عموماً، وفي وسائل الإعلام كافة، ولتيسير اللغة على النحو الذي يقربها إلى الجمهور الواسع، وللحفاظ على سلامة بنياتها وأصولها، ولجعلها لغةَ اليوم والغد، والآصرةَ القوية التي توحد أبناء الأمة بعد آصرة الدين الحنيف، والوسيلة التي تربطها بمصادر الثقافة الإسلامية في جميع حقولها.
إنَّ التقدّم العلمي المذهل في مجال العلم والمعرفة والذي نشهده اليوم في ثورة المعلومات والحاسبات وثورة الاِتصالات والإلكترونات والهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم الفضاء والبيئة وغيرها، كلّ ذلك جاء إلينا بسيل منهمر من المصطلحات الحديثة والمستحدثة ــ فإذا استعصى علينا أن نجد لها المقابلات العربية المناسبة، لجأنا إلى التعريب كما عرَّب العرب قديماً فأخذوا عن اليونانية والهندية والسوريالية والفارسية والتركية، وكما عرَّب المحدثون عن الإسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية. ومع ذلك فإنَّ اللغة العربية كانت ولا تزال من الثراء بحيث يمكنها أن تستوعب الكثير ممّا تفرزه هذه الثورات العلمية الحديثة من المصطلحات( Cool

.
وتقتضي حماية اللغة العربية وتأمين مستقبلها والنهوض بها من الوجوه كافة، إلى جانب تعريب مصطلحات العلوم والتقانة في جميع حقول المعرفة العلمية الدقيقة، تكثيفَ العناية باللغة العربية في جميع مراحل التعليم، وبخاصة في مرحلة التعليم الجامعي وتطوير برامجها وطرق تدريسها، مع العمل على تأهيل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد العليا للتدريس باللغة العربية.
وأجدني متفقاً تماماً مع الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، في التأكيد على أنه إذا أُريد لهذه القضية الحلّ، فعلى الدولة (أو مجموعة الدول العربية) أن تحسمها بقرار سياسي مُلزم يوفّر لها كلّ الإمكانات، ويضع لها الخطة والبرنامج للعمل والتنفيذ والاِنطلاق باعتبارها قضية قومية ووطنية وثيقة الصلة بكياننا العربي ومستقبل التربية والتعليم والثقافة العربية الإسلامية(9).
ولعلّ من المناسب أن أشير هنا إلى القرار الذي صدر أخيراً عن مجلس الشعب (البرلمان) المصري بتعديل بعض مواد القانون الذي عرضه عليه مجمع اللغة العربية في القاهرة، والمرتبطة بتفعيل قرارات المجمع وجعلها ملزمة للهيئات كافة. ولاشك أن هذه خطوة أولى نحو سن تشريع يحمي اللغة العربية، حبذا لو اقتدت به الدول العربية كافة.

الموضوع : مستقبل اللغة العربية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs
توقيع العضو/ه :atefbbs

رقم العضوية : 1800

موضووووع رااائع ومفيييد .. خااصه في وقتنا الحالي اللي انتشرت بينا حضارات الغرب ..
يعطييك العاافيه اخووي ..

الموضوع : مستقبل اللغة العربية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: شامخة الراس
توقيع العضو/ه :شامخة الراس

رقم العضوية : 1

موضوع جميل
جزاك الله كل خير

الموضوع : مستقبل اللغة العربية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: مهـ مع القرآن ـاجر
توقيع العضو/ه :مهـ مع القرآن ـاجر

رقم العضوية : 453

الموضوع : مستقبل اللغة العربية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: على سعيد
توقيع العضو/ه :على سعيد

مستقبل اللغة العربية

مستقبل اللغة العربية

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة