اللعان، الزنى... عقوبتها بيد ولي الأمر لا الأهل
رغم صدور فتاوى كثيرة تَحِّرّم "جرائم الشرف"، التي يمنح فيها بعض الرجال حق قتل بناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم بحجة ارتكابهن ما ينافي العفة والشرف، فإن هذه الظاهرة المخزية لا زالت موجودة أو مستشرية في دول عديدة من العالم العربي والإسلامي ودول أخرى غير إسلامية (الهند، دول من أمريكا الجنوبية، أوربا الشرقية...) . والمثير للدهشة أن منسوب هذه الظاهرة زاد بشكل خطير في الآونة الأخيرة في بلدان كانت تكاد تكون غير معلومة فيها مثل فلسطين والأردن ولبنان...
أولا: جرائم الشرف جريمة كاملة شرعا وقانونا
فـ"جريمة الشرف" عملٌ مخالف للشرع ومحرَّم مطلقا. وعلى المستوى القانوني فهي جريمة تامة تترتب عليها كافة الآثار والجزاءات القانونية. كما أنه لا توجد في تشريعات جل البلدان التي تُمَارَسُ فيها أيةُ ظروف أو عناصر لتبرير الجريمة أو تخفيف العقاب المقابل لها. وذلك لاعتبارات عدة أهمها:
1- أن سلطة العقاب من صلاحيات الجهاز القضائي،
2- أن العقاب لا يمكن إيقاعه على المرأة المُشْتَبَه بها إلا إذا كان الفعل الذي اقترفته يشكل فعلا جريمة منصوصا عليها في القانون كما يقضي بذلك مبدأ الشرعية (أي لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)
3- ومعلوم أن الشريعة الإسلامية والقوانين المعاصرة تميز بين المرأة المتزوجة والخالية من الزوج، في إتيانهما للزنى، وليس فقط شبهته . وفي جميع الحالات لا يمكن الشروع في العقاب عن الزنى المُثْبَت إلا إذا:
* تم تقديم شكوى بحسب الإجراءات الجاري بها العمل وللجهة المختصة بعينها؛
* وحصل التحقُّقُ من حصول الجريمة من قبل الضابطة القضائية؛
* وتوفرت الإثباتات بالشكل والقدر الذين يحددهما القانون (حالة تلبس، وجود وثائق، صور...) استنادا إلى الشريعة الإسلامية (التلاعن أمام ولي الأمر...)؛
* وصدر حكمٌ نهائي يقضي بالعقوبة؛
4- ومعلوم كذلك أن الشريعة الإسلامية فصلت بشكل استثنائي في جرائم الزنى والخيانة الزوجية وحدهما وحددت شروط رفع الأمر إلى ولي الأمر وشكل التحقق التام من اقتراف الفعل ووسائل الإثبات المعتبرة شرعا وشكليات إنفاذ الجزاء ...
وبناء عليه فمن يعتبر نفسه مؤهلا لتطبيق القانون ومعاقبة المرأة، زوجًا كأن أو أبًا أو أخًا أو قريبًا، لا يملك في الحقيقة أي حق في ذلك بحسب الشريعة الإسلامية والقانون .
ثانيا: اختلافات جوهرية بين جرائم الشرف والزنى
رأينا أنه حتى لو تعلق الأمر بالزنى الحائز لكافة شروط الإثبات والشهود... لا يجوز فيه للأهل إيقاع العقاب بأنفسهم، وإنما يرفعون الأمر إلى الجهة المختصة، تحت طائلة العقاب. فما بالك بجرائم الشرف التي يتولى فيها الأهل دور الخصم والحكم وينفذون العقاب من دون أية ضمانات للتحقق من الفعل ومن دون أية حماية لشخص الفتاة الموقَّع عليها. وعليه، فجرائم الشرف تخالف الشرع من أكثر من جانب وترتكَبُ فيها أخطاء جسيمة عديدة:
1- الخطأ الأول أن الأهل لا يتحققون ولا يملكون وسائل التأكد من حقيقة اقتراف الزنى. والزنى المعاقب لا يتحقق في الشرع إلا إذا توفرت إثباتات داحضة لا تترك ذرة شك بوقوع الفعل حقيقة. بل الغالب أن يعتمد الأهل على الإشاعات وكلام الناس، ويصدقون الاتهامات ولو كانت باطلة. فأحرى أن يوجد أدنى تحقيق قضائي عادل محاط بالضمانات ومعتمد على إثباتات دامغة.
وإعمالا من الشرع لمبدأ "الأصل في المتهم البراءة"، قضى أنه حتى لو تعلق الأمر بالزنى، الذي خصَّه الشارع بتشدد في الإثبات بما لا مزيد عليه، فلا مسؤولية ولا عقاب إلا إذا شهد أربعة شهود عدول، يثبون بعد القسم أنهم عاينوا عملية الزنى بوضوح ينفي كل احتمال، ويقطع كل شبهة، مع العلم أن الشبهات تدرأ الحدود.
2- الخطأ الثاني: انتحال الأهل، الذين يبادرون بأنفسهم إلى معاقبة المشتبه في سلوكها، لصفة وسلطة كل من المفتي الشرعي، والشرطة القضائية المخولة صلاحية التحقيق، وصلاحيات القاضي الذي يملك وحده حق إصدار حكم بالإدانة والمعاقبة... وسلطة الجهاز الذي يتولى إنفاذ العقاب (المؤسسة السجنية، الجلاد...).
3- الخطأ الثالث: تجاوز الأهل لحدود واجباتهم: أكثر من ذلك فإن أيا من الأهل لا يملك صلاحية توجيه حتى اللوم أو التهمة إلى من يشتبه بارتكابه فعل الزنى أكان رجلا أو امرأة، وإنما يقتصر حق الأهل على التبليغ وإعلام السلطات المعنية (تقديم شكوى) لتقوم بواجبات التحري. وبتوليهم المعاقبة بأنفسهم، فهم يقترفون أخطاء فادحة ويتجاوزون الحدود...
4- الخطأ الرابع: عدم التمييز في العقاب: حتى على فرض أنهم يملكون شيئا من هذا، فالشرع يميز من جهة بين الزنى الفعلي وبين مجرد مقدمات وعلاقات واتصالات لا تصل لحد الممارسة الجنسية، ومن جهة أخرى يميز، في الزنى التام بين البكر أو الأيم (التي يواجهها الأهل بالقتل) وبين المتزوجة. والفتاة البكر التي تمارس الزنى تفيد من تخفيف في العقاب. فعقوبتها الشرعية في حالة ثبت عليها الزنى بالبينة أو الإقرار الحر أربع مرات، هو الجلد وليس القتل ولا الرجم.
5- الخطأ الخامس: التمييز في العقوبات بين الجنسين مع أن الشرع لم يميز ما بينهما في الكفارات ولا في الحدود، كحد الزنا والسرقة. فالإشكالية تكمن في ما رسخ في المخيال الاجتماعي من أن ذنوب ومعاصي المرأة لا تقبل الغفران ولا النسيان، من منطلق أن المرأة واجهة «للقبيلة». فيما الشرع أبقى دم الزانية غير المحصنة معصوما ولا يبيح بأي حال لولي الأمر قتلها، وإنما حدها الشرعي الجلد والتغريب.
6- الخطأ السادس: المعاقبة من دون موجب: في كثير من الحالات التي تقترف فيها جرائم الشرف لا يكون قد صدر من الفتاة أو المرأة المشتبه بها زنى فعلي، وإنما مجرد سلوك غير أخلاقي أو مُجَرَّد الاشتباه في إتيانها فعلا جرى العرف على اعتباره مجلبة للعار على نفسها وأسرتها كالزواج من رجل لا ترتضيه الأسرة لها، أو أن تتحدث مع شخص ليس من محارمها في أحد الأماكن العامة… بل قد تكون تعرضت للاغتصاب أو الإغواء أو الاعتداء... ومع ذلك، عوض أن تحمى كرامتها وحقوقها ويقتص من الفاعل، تتعرض هي لعقاب رهيب وتخضع لعقوبة إحدى الكبائر، الزنى، وهي لم تزن . وحتى على فرض أنه حصل لقاء مع رجل لم يصدر منهما ما يمكن حمله على أنه زنى، فعملها قد يدرج دينيا في دائرة الحرام، ولكنه قانونيا لا يوجب القتل، بل لا يبيحه... وإنما قد يتعلق الأمر بصغائر يمحوها صيام يوم أو قيام ليلة أو صدقة أو نسك.
وهكذا نلاحظ كيف أن الأهل باندفاعهم يقعون في أخطاء جسيمة ويستبيحون نفسا إنسانية قد تكون بريئة ولا تظهر براءتها إلا بعد فوات الأوان حيث لا ينفع الندم.
ونلاحظ أيضا أن أحكام الشرع تتوارى أمام الأعراف القبلية المسيرة للثقافة الشرقية ولمجتمعات أخرى تطبعها الذكورية، أعراف كثيرا ما يحكمها الشطط والتجاوز والتعدي، أعراف أقرب ما تكون إلى حكم الجاهلية: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (سورة المائدة، آية 50).
ومن دون شك فالتحولات العميقة والرَّجَّات العنيفة التي عرفتها المجتمعات العربية وسواها، أظهرت للوجود مواقف وسلوكيات من الذكور والإناث معا واتصالات غير مسبوقة بين الجنسين، منها ما يتلاءم مع الشرع ومنها دون ذلك. لكن عوض التوجيه والتأطير والاحتكام للشرع في مثل هذه المواقف والسلوكيات، لا زالت المجتمعات الشرقية حبيسة الأعراف والعادات البالية التي لا غسل فيها للعار إلا بإراقة الدماء.
واستنادا على الإحصائيات الدولية فإن جرائم الشرف تودي بحياة خمسة آلاف فتاة وسيدة في العام الواحد. ففي باكستان قضت المجالس القبلية المعروفة باسم «جيرغا» (وهي محاكم غير قانونية) بإعدام 600 امرأة سنة 2003 بتهمة الإخلال بالشرف... وفي العراق زادت أعداد جرائم الشرف وشملت النساء الائي اغتصبن في السجون الأميركية/العراقية... وأرقام أخرى مخيفة في سوريا واليمن ومصر وأفغانستان ولبنان والأردن وفلسطين ... وعموما في البلدان الإسلامية والأفريقية والآسيوية وحتى في الدول الأوربية لدى الجاليات من أصول تركية وشرق أوسطية وآسيوية وعربية ومن أوروبا الشرقية وكولومبية... . ويقدر المراقبون أن امرأة واحدة تقتل كل شهر من قبل أقاربها لغسل شرف العائلة .
والحقيقة أن حدة هذه الأعراف والعادات والتقاليد، تزيد خطورة بسبب مواقف التشريع والقضاء... في عدد من البلدان؛ وتُذْكِيهَا كثير من الأحزاب التي لا تستنكف عن استغلال الموضوع سياسيا وانتخابيا. فالمشرع بعدد من البلدان يسنُّ قوانين تخفف عقوبة جريمة الشرف ، كما أن القضاء والمؤسسات الأخرى كالضابطة القضائية والمؤسسات السجنية تتعامل مع المجرم كما لو كان بطلا أو فاعلا اجتماعيا يَحُدُّ بأريحيته وشجاعته من الانحلال الأخلاقي للنساء.
الموضوع : جرائم الشرف لا أساس لها في الشرع المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs