فلسفة الجهاد وفلسفة الإرهاب
بسم الله الرحمن، والحمد له على ما له من إحسان، والصلاة والسلام على خير إنسان.
إن تحقيق التعايش بين أطياف الأسرة الإنسانية، وشيوع المحبة والإخاء فيما بينها من المقاصد التي هدفت إليها شرائع السماء كافة.
ومنهج الإسلام لم يختلف في هذا المنحى عن ما سبقه من تعاليم الأنبياء السابقين، لأنهم جميعاً يستمدون من نبع واحد!
وإن السلام غصن من أغصان شجرة الإسلام الباسقة، خصه الله تعالى بالذكر في عديد من آيات القرآن الكريم، حتى إنه سمي دين الإسلام بـ (السلم)، وكلمة الإسلام نفسها قد اشتقت من لفظة (السلام) التي دعا الله عز وجل إليها حيث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: من الآية 208> والسلام شعار المؤمنين، وتحيتهم التي يُحيِّي بعضُهم بها بعضاً، فيقول المسلم إذا لقي آخر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فالمسلمون جميعاً ـ إلا من يجهل أحكام دينه منهم ـ ملتزمون بالسلام منهجاً، وبالحوار مع الآخر سبيلاً للتعرف عليه، والعيش المشترك معه.
ويتماشى مفهوم الجهاد تماشياً كاملاً مع منهج السلام في الإسلام، فَهُما يُمثّلان وجهين لعملة واحدة لا تعارض ولا تناقُضَ بينهما، بل هما مفهومان متكاملان يُستعمَلُ كلٌّ منهما في ظرفه المناسب، ومع الطَرَف المناسب!
ولقد أسيء فهمُ الجهاد من قبل المسلمين الذين لم يتفقّهوا في دينهم بشكل كاف، فمارسوا ممارسات خاطئة تختلف مع الوجهة الإسلامية الصحيحة.
وأساء بعض غير المسلمين فهم الجهاد، لأنهم لم يُعطوا أنفسهم فرصةً كافية لدراسة هادئة منصفة تستفسر من العلماء المسلمين المشهود لهم بسَعَةِ العلم والتمكُّن فيه، ومن المؤسسات والمجامع الدينية الرسمية والأهلية، بل لعلهم تعرفوا على الجهاد عن طريق أولئكم المخطئين من المسلمين والذين لا يمثلون الإسلام بحال من الأحوال.
إن مفهوم الجهاد مفهومٌ إنسانيٌّ راقٍ، عظيم في حقيقته، كبير في معناه، فكلمة (الجهاد) مأخوذة من (الجَهْد) وهو الطاقَةُ والقدرةُ، والمراد بذل الطاقة والعمل بمنتهى القدرة.
ويخطئ بشدة من يعتقد أن (الجهاد) يقتصر على الحرب والقتال، بل هو أشمل منهما وأعمُّ بكثير.
ففي كلّ مجالات العمل الصالح النافع يبذل المسلم جَهدهُ، ويقوم بالجهاد المطلوب منه بحسب الحال.
ولقد ذكر بعض علماء المسلمين أن النصوصَ الشرعيةَ أفادت أن الجهاد على ثلاثة أصناف:
الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس، وذلك بتطهيرها من أدرانها وعاداتها السيئة، وأخلاقها الذميمة، وتحليتها بالفضائل السامية، وترويضها على فعل الخيرات، وعمل الصالحات، وتقديم ما فيه النفع للإنسانية جمعاء، حيث يقول القرآن الكريم في ذلك : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى: 14>، وقد قال بعض علماء المسلمين بعد أن عاد من قتال الظالمين: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
ويروي البعضُ قريباً من هذه المقالة ، ولا تصحّ!عن النبي محمد
قال: »أفضل الجهاد أنوقيل: إن النبي محمداً يجاهد الرجل نفسه وهواه» [ ابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد»؛ كما في «كنـز العمال»>.
: «أفضل الجهاد حج مبرور» [«صحيحوقد قال النبي محمد البخاري»>.
وقال أيضاً: «المجاهد من جاهد نَفسَهُ في سبيل الله عز وجل» [«مسند أحمد»>.
وذلك لأن الإنسان إذا تمكَّن من ضبط نفسه، واستطاع السيطرة على أهوائه، وقدر على التغلب على نوازع شهواته، وانتصر على وساوس الشيطان، فإنه حينئذ يكون قد بلغ الدرجات العليا من الإيمان، وسلك سبيل مرضاة الله.
وهو ما دام خاسراً أمام الهوى والشهوات والشيطان لن يصل إلى درجة أن يرضى الله تعالى عنه.
ولقد فتح الإسلام ميادين واسعة للجهاد، ولكسب ثواب المجاهدين في سبيل الله، إذ رأى أن بر الوالدين جهاد في سبيل الله، فقد جاء رجل إلى فاستأذنه في الجهاد فقال له النبي: «أحيٌّ والداك؟ فقال: نعم، قال: ففيهماالنبي فجاهد» [«صحيح البخاري»>.
فقال: يا رسولوجاء رجل آخر إلى النبي محمد الله أردتُ أن أغزوَ وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها» [«سنن النسائي»>.
وإنّ أيَّ عملٍ صالحٍ فيه إعمارٌ للأرض، وبناءٌ للإنسان، هو ـ إن أريد به نيةٌ صالحةٌ تُرضي الله تعالى ـ جهادٌ في وقالوا له: ابعث معنا رجالاً يعلموناسبيل الله حيث جاء ناس إلى النبي محمد القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الصحابة يقال لهم: (القُرَّاء) يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في معالمسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام للفقراء فبعثهم النبي محمد الناس الذين طلبوهم [«صحيح مسلم»>.
فهؤلاء الذين اختارهم الرسول محمد لجهاد التعليم كانوا يجاهدون بالتعلم، ويقومون بتقديم الخير والمعروف ويطعمون :الفقراء، فكان كل ما قاموا به عملاً في سبيل الله، أي: جهاداً، ولقد قال النبي «مَن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع » [«جامع الترمذي»>.
أي: إن التعلم من العلوم النافعة جهادٌ أيضاً.
ومن : «الساعيالجهاد أيضاً القيام على شؤون المحتاجين والضعفاء، فلقد قال النبي محمد على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» [«صحيح البخاري»>.
وقد رأى بعض العلماء أن القتال والحرب بناءً على ما ذكرناه هو الأصغر من أنواع الجهاد، ودعموا رأيهم بأن القرآن ذكر نوعاً من الجهاد واصفاً إياه بالجهاد الكبير، وهو جهاد الدعوة والحوار وبيان الهداية للبشرية، وإيصال نور الحق إلى الذين لم تصلهم أشعة ضيائه.
فلقد قال الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ [الفرقان: من الآية 52>، والمعني في الآية القرآن نفسه، فهل القرآن سلاح يقاتَل به؟ لا بل إنه الحوار في سياق الآية الكريمة.
إن القرآن سراج ينير دروب الحياة، ويدل على أبواب النجاة، والمجاهدة الكبيرة به إنما تكون بتبليغه لمن لا يعرفه، وتعليم كنوزه لمن يجهلها، وتعريف الناس بما فيه من مفاتيح الخير، وخزائن الحكمة، لأنه كلام الله الرحيم الحكيم.
ثم يأتي بعد كل ذلك الجهاد الأصغر (القتال)، وهو وسيلة علاجية موجهة إلى بعضٍ محدود ... إنها موجهةٌ إلى الظلم والعدوان والبغي والغزو والاحتلال.
ولا يعلم الكثير من الناس – حتى من المسلمين – أن تشريع القتال قائمٌ في الإسلام ضد كل ظالم إذا لم تجد معه وسائل الإصلاح والنصيحة، والتقويم ...
فإذا نجعت معه الحكمة، وأثرت فيه الموعظة، ولان قلبه، وارعوى عن الطغيان، فذلك هو المطلوب.
ولأجل ذلك قال نبي : «أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر» [«سنن أبيالإسلام محمد داود»>.
ولم يقل: حاربوه وقاتلوه، بل وجه إلى الكلام معه بكلمة الحق، لعله يرجع عن ظلمه، ويتوب عن عدوانه وطغيانه.
فإذا استمر في البغي فإنَّ القتال يُشرَعُ حينئذ من باب العمل الجراحي، ويتوجه إلى الظلم وأهله تحديداً دون غيرهم، وهو ما يعرف اليوم بالمقاومة المشروعة للاحتلال الذي أقرته القوانين الدولية أيضاً.
ومخطئ من ظن أن الجهاد قد شُرعَ قانوناً لعلاقة المسلمين مع غيرهم، بل هو لتصحيح انحراف المنحرفين الظالمين الذين يرفضون العودة عن الظلم، حتى لو كانوا مسلمين، نعم ... حتى المسلمون إذا كان فيهم جماعة تمارس الظلم ولم ترجع عنه، فهي تُقاتَل، وقد نص القرآن الكريم على هذا بكل صراحة بقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9>.
فالفئتان في الآية من المؤمنين، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بينهما، فإن ظلمت واعتدت إحداهما وجب على المسلمين قتال الباغية الجائرة حتى ترجع إلى ما أمر الله به من الحق والعدل، فإن رجعت توجب العمل على تحقيق الصلح والسلام بالعدل والإنصاف الذي يحبه الله.
ولأجل هذه المفاهيم الراسخة في الإسلام شُرع القتال من أجل الدفاع عن النفس ورد الظلم، وإحقاق الحق، ولقد صرح القرآن الكريم بالعلة التي من أجلها أبيح حمل السلاح فقال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً﴾ [الحج: 39-40>.
فالمظلومون المهجرون من ديارهم، المغتصبة أوطانهم يجوز لهم أن يقاتِلوا من فعل تلك الجرائم بحقهم، ولولا أن الله شرع الأخذ على يد الظالم لهدمت كل المعابد التي يذكر فيها الله، ومن المعلوم أن المعابد آخر ما يهدم، وإذا هدمت يكون قد هدم قبلها كل شيء!.
ولأجل هذه الغاية جاز للجيوش الإسلامية أن تخرُجَ في عصر الفتوحات الإسلامية في القرنين الأول والثاني من تاريخ المسلمين، السابع والثامن الميلاديين، لأن جبروت الإمبراطوريات قد كتم أنفاس الشعوب المقهورة، فلم تستطع أن تتخذ قرار إيمانها، أو أن تحيا بكرامتها دون استغلال واستعباد.
وإطلاق الجهاد في حالاته المشروعة ليس أمراً فوضوياً يُعلنُهُ من يشاءُ ضدَّ من يشاء، بل أكّدت كتب الفقه الإسلاميّ أنّ إعلان الجهاد محصورٌ بيد وليّ الأمر، وهو الحاكم الأعلى الذي تمثّله في هذه الأيام الحكومات الوطنية.
الرسائل إلى ملوك زمانه يدعوهم إلى الهدىولقد أرسل النبي محمد والعدل والخير، فقبل بعضهم، واستكبرَ بعضٌ آخر.
بل شَرَع الفرس والرومان بإعلان الحرب على المسلمين في عقر ديارهم، واستخدموا أبناء البلاد العربية المحتلة (العراق وبلاد الشام ومصر)، وسائلَ لتلك الحرب، فخرج المسلمون ليحرروا إخوتهم في العروبة من الاحتلال، ويُرسخوا مبادئ حرية الاعتقاد، وأن تُترَك للشعوب مصائرها، وليؤمن بالرسالة الخاتمة من أراد، أو لا يؤمن بها من أراد، وذلك بمطلق الحرية، وكامل المشيئة.
ولقد عاش غير المسلمين مكرّمين محفوظي الحقوق تحت ظل راية الدولة الإسلامية، ولم يُذكَر أنه أُجبرَ أحدٌ على دخول الإسلام، لأن القرآن يقول: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: من الآية 256>.
بل يقول التاريخ: إن أكثرية أهل بلاد الشام بقوا على النصرانية قروناً بعد الفتح الإسلامي، ولم يصبح المسلمون أكثريّة إلا بعد عملية تحوّلٍ هادئة استمرت مئات السنين اطَّلع فيها غيرهم على تعاليم دينهم، فرأوا فيه نبل التوحيد، وتكريم الإنسان، فدخلوا فيه عن طواعية تامة.
وإلى الآن لا يزال النصارى واليهود في كثير من البلاد الإسلامية يحيون في أمان وسلام ووئام وتآخ ومواطنة مع المسلمين، نتيجة الجو المتسامح الذي أوجدته تعاليم الإسلام.
فإذا خرجت فئات جاهلة مُتعصبةٌ هنا وهناك لتسيء إلى الإسلام أولاً بفهمها المنحرف له، وسلوكها الخاطئ، فإن أول من يرفض أفعالها الشنيعة هو نفسه.الإسلام نفسه، والقرآن نفسه، والنبي محمد
فها هو القرآن يقول: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190>.
ويقول: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: من الآية 2>.
وهذه الآية نزلت في علاقة المسلمين الذين أخرجوه من موطنه، وعذبوا أصحابه وقتلوا بعضهم،الأوائل مع أعداء النبي محمد بل منعوه أن يزور الكعبة لأجل العبادة عندها، فنهاهم القرآن عن أن يدفع كره هؤلاء الظالمين إلى العدوان عليهم.
يُوجّه أصحابه قبلوهاهو رسول الإسلام محمد الحرب المفروضة عليهم: «انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» [«سنن أبي داود»>.
وأوصى أبو بكر الصديق جيوش والرئيس الأول للدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد خليفة النبي محمد الفتح التي انطلقت باتجاه بلاد الشام لتحريرها من المحتل الروماني:
"إني موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن: لا تقتُلُنّ شيخاً فانياً، ولا ضَرْعاً (ضعيفاً) صغيراً، ولا امرأة، ولا تهدموا بيتاً، ولا تقطعوا شجراً مثمراً، ولا تعقرُنَّ بهيمة إلا لأكلٍ، ولا تحرقوا نخلاً" [«تاريخ ابن عساكر»>.
وقد تمثل المسلمون الأوائل هذه التوصيات العظيمة المتضمنة رحمة الدين الإسلامي وعدله، فلم يُعْهَدْ أنهم قاتلوا إلا من قاتلهم، ولم يقتلوا الضعفاء، ولم يستخدموا سياسة الأرض المحروقة، ولم يُخلوا البلاد من سكَّانِها الأصليين، ولم يستعبدوهم، ولم يظلموهم، لأجل ذلك ستبقى شهادة المؤرخ الكبير (غوستاف لوبون)، صادقة ساطعة على جبين الإنسانية أبد الدهر: "لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب".
وأما أصحاب الفكر المتطرف من المسلمين فهم لا يمثلون إلا أنفُسَهُم، وهم مدانون من قبل تعاليم وهم قلّة قليلة لا تكاد تذكر بالمقارنة معالدين الحنيف، وتعاليم النبي محمد الأمة الواسعة الكبيرة المتمثلة لمفاهيم العدل والرحمة والخير أربعة عشر قرناً.
حيث تقول الإحصاءات: إن الذين يحملون الفكر المتطرف (القاعدة) ليسوا أكثر من (11) ألفاً حول العالم، فما هي نسبتهم في مليار ونصف مليار مسلم؟
وإنه إذا كان من الظلم إلقاء تَبِعَةِ ما تسمى الحروب الصليبية، أو (حروب الفرنجة)، أو إلقاء تبعة جرائم جيوش الاحتلال الغربي في العالم الثالث في القرنين الماضيين على السيد المسيح، وعلى الدين النصراني، لأن الكل يعلم أنه دين السماحة واللين.
فكذلك من الظلم تحميل دين الإسلام أو الأمة الإسلامية تبعات منممارسات فئة نادرة شادة، وتناسي ما تحمله تعاليم القرآن، وأحاديث النبي محمد المفاهيم التي تكرس قيمة الإنسانية، وتؤكد على تكريم البشرية، وتدعو إلى احترام الغير وعدم ظلمه، وتحريم العدوان عليه.
إن هذه الأفعال الإرهابيةَ لا علاقةَ لها بالإسلام، كما لا علاقة لمحاكم التفتيش بالإنجيل ولا بالسيد المسيح، بل إن الإرهاب الذي يعتدي على الأبرياء، ويسفك دماء من لا ذنب لهم، ولا دخل لهم بالاعتداء على الشعوب، هذا الإرهاب لا دين له، وتتبرأ منه جميع الأديان، ولا تُقرّه الإنسانية جمعاء بمختلف أطيافها وأعراقها وأجناسها وأديانها.
لأن القرآن يقول: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة: من الآية 32>.
وإن من عدم الإنصاف الخلط بين الإرهاب، وبين حق المقاومة المشروعة، الذي أقرته جميع الأديان، ووافقت عليه الشرائع والقوانين السماوية والوضعية، ومارسته الشعوب قاطبة على مر التاريخ.
ألم يقاتل الشعب الفرنسي النازية حتى طهر أرضه منها؟ ألم تجتمع دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في وجه النازية والفاشية وطغيانها؟ ألم يحارب شعب فيتنام حتى حصل على استقلال وطنه؟
إن الدفاع عن الأرض المغتصبة، وتحرير الحقوق المستلبة، هو الشرف بعينه، وهو واجب ديني عظيم، وفرض إنساني سام، لا يُنازع فيه العقلاء، ولا يُشكّك فيه الشرفاء، ولأجل ذلك فالبشرية كلها، وعلى رأسها المؤمنون بالله، وفي طليعتهم أتباع النبيين الكريمين عيسى المسيح، وموسى عليها السلام، مدعوون إلى أدانه الإرهاب بكافة أشكاله والتأكيد على حق الشعوب في تحرير أراضيها المحتلة عن طريق المقاومة المشروعة.
وإن الصراع على الأرض المقدسة ليس موجهاً ضد اليهود؛ لأنهم يهود، بل ضد الصهيونية العنصرية المماثلة للنازية والفاشية.
ولقد رأى العالم كيف أن في اليهود أناساً شرفاء استنكروا الممارسات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وأعلنوا براءتهم من الصهيونية التي تتغطى بغطاء اليهودية.
ومن ناحية أخرى يحاول البعض تصويرَ العربِ والمسلمين كلّهم، على أنهم منبع الإرهاب في العالم، ومصدر الشرور في الكون.
وإن الْمُشَاهَدَ في العام اليوم أنّ الإرهابَ لا دين له، ولا وطنَ له وليس نوعاً واحداً بل هو ممارسات مختلفة هنا وهناك.
فكما أنّ هناك إرهاب أفراد، وهو سلوك أصحاب الفكر المتطرف سواءٌ أكانوا مسلمين أم كانوا كاثوليكاً أم بروتستانتاً أم يهوداً أم غير ذلك.
فإن هناك إرهابَ دولٍ، وهو إرهابٌ منظَّمٌ تقوم به جيوشٌ وحكوماتٌ منذ زمنٍ بعيدٍ، حيث تقترف القوات العسكرية لبعض الدول اعتداءاتٍ على المدنيين الآمنين في أوطانهم، وتقصفهم بالقنابل والصواريخ.
ألم يُقتَل أكثر من مئة ألفِ ياباني في هيروشيما وناغازاكي؟ ألم يقتل مئات آلاف الفيتناميين بقنابل النابالم الحارق؟
ألم يقتل عشرات آلاف المدنيين من الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين في مجازر دير ياسين (1948م)، وبحر البقر (1970م)، وصبرا وشاتيلا (1982م)، وجنين (2002م)، والحرب على لبنان (2006م)، والحرب على غزة (2009م).
ألم يقتل مليون عراقي في 6 سنوات من الحرب على العراق، ويهجر مئات الآلاف خارج العراق؟
أم إنّ هذه الأرواح لا قيمة لها؟ وهذه الدماء والأشلاء لا وزن لها؟ وهذه الآلام والقطائع لا يعتد بها؟.
إننا إذا كنا نشارك العالم كله هَمَّ ومسؤولية الوقوف في وجه الإرهاب، فإنه ينبغي لنا أن نعمل مع عقلاء العالم ومؤمنيه،على وضع استراتيجيات كفيلة بإنهاء وجود هذا الإرهاب، والقضاء على ذلك التطرف.
والذي يلزم أن نوضِّحهُ بكل جرأة وصراحة أن محاربة الإرهاب والتطرف لا تكون بحشد الجيوش ولا شن الحروب ولا بفتح المعتقلات والسجون، ولا تعذيب المتهمين، لأن هذه الأساليب المتشددة تقوي الإرهاب، وتعطيه الذرائع والمبررات.
إن التطرف فكرٌ مريضٌ، والمرضُ بحاجةٍ إلى دواءٍ وعلاج، والفكرُ لا يُقابَلُ إلا بالفكر، ولا يقابل بالسلاح أبداً.
فإذا أرد العالم إنهاء ظاهرة التطرف فعليه أن يتدخل بحكمةٍ وعدالةٍ في القضايا التي تُولِّدُ المتطرفين فيحلها دونه انحيازٍ لأحد، ويعملَ على إعادة الحقوق إلى أصحابها، عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية القاضية بإنهاء ظواهر الاحتلال هنا وهناك، وإعادة المهجرين من أوطانهم، وتعويضهم عن سنوات الضياع.
وعلى العالم بموازاة ذلك العمل على تعزيز دَورِ الإيمان في حياة البشرية، وتقوية المنظومات الأخلاقية النابعة من تعاليم السماء، لأنها الكفيلةُ بسلوك إنسانيٍّ نبيلٍ يمتنع فيه الإنسان عن ظلم أخيه الإنسان، ويبتعد عن أخذ حقه منه بأية ذريعة، وتحت أي مبرر.
فبالإيمان والأخلاق والعدالة تصبح الأرض واحة غنّاء، مزدانةً بأجمل الأزاهير، معطّرة بأطيب العطور، ولا أثر فيها لسلوك شائنٍ من أحد، بل تعيش فيها البشرية أخوَّةً رائعة كما أراد لها الله جل في علاه.
إن كل إنسان على وجه الأرض – أياً كان دينه ووطنه - مطالبٌ أمام الله أولاً، ثم أمام إنسانيته وضميره ثانياً بأن يبحث عن الحقيقة التي يحاول البعضُ طمسها وإخفاءها، وأن يعلن موقفاً شجاعاً غير منحاز، برفضه للظلم أياً كان الظالم، ووقوفه مع المظلوم أياً كان المظلوم.
وأن يُحدد موقفه من التعاليم بحسب طبيعتها، فما كان يدعو في الحقيقة إلى الخير والرحمة والعدالة والإنسانية ويقود إلى سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، يجب أن يُكرَّم ويُحتَرَم ويُعطى حقَّه من التقدير.
وما كان يدعو ويمارس الظلم والعدوان، وينتقص من حقوق الإنسان وكرامته يجب أن يساهم في كشف حقيقته، وبيان ضرره للعالم قاطبةً.
إنَّ الحديثَ عن الإرهاب حديث مؤلم؛ لأنه ممتزج بدماء الضحايا، وآهات المعذبين، ولكن مما يزيده ألماً تصويرُ المجرمِ بريئاً، والبريءِ مُجرماً، والخلطُ بين الإرهاب المرفوض الذميم وبين الدفاع المقدس عن النفس، وعن الأرض.
نسأل الله العظيم الرحيم أن يحقق العدل والسلام والإخاء لجميع أهل الأرض، وأن يبصرهم بالحقائق المغَيَّبَةِ عنهم، وأن يهديَهم لمعرفة عظمة ما جاء به أنبياء الله، إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ، وعلى آلة ، وصحبة أجمعين . وبعد :
فإن للأخلاق اهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في حياة الإفراد والجماعات والأمم ، ولهذا فقد حفل القرآن الكريم بها واعتنى بها أيما عناية ، فقد بينت سور القرآن الكريم وآياته أسس الأخلاق ومكارمها ، وكذلك اعتنت السنة النبوية بالأخلاق والمعاملات عناية فاقت كل التصورات ، فقد عد بعض العادين – فيما وقع لهم – أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجودوها ستين الف حديث عشرون منها في العقائد ، وأربعون في الأخلاق والمعاملات ، وهذا بلا شك دليل على عناية السنة بالأخلاق كعناية القرآن الكريم بها . فقد قال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم 4) يمتدح الله تعالة نبيه بحسن الخلق تاره ، ويامره بمكارم الأخلاق ومحاسنها تارةأخرى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ( الأعراف 199) .
أهمية الأخلاق :
1- للأخلاق أهمية بالغة باعتبارها من أفضل العلوم وأشرفها واعلاها قدراً ، لذلك نجد بعض العلماء عندما يتحدث عن بيان قيمة علم الاخلاق بالنسبة الى العلوم الأخرى يقول بعضهم : إنه إكليل العلوم جميعاً ، ومنهم من يقول : إنه تاج العلوم ، ومنهم من يقول : إنه زبدة العلوم . ذلك أن العلوم الأخرى تساعد أساساً على الأخلاق في الكشف عن النافع والضار ، والخير واشر وهما موضوع الأخلاق ، فتعتبر تلك العلوم وسائل معينة لتحقيق هذا العلم . كما أن علم الأخلاق يستخدم العلوم الأخرى في الكشف عن مهمته وتحقيق أهدافه.
2- إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم في تحقيق حاجاته الطبيعية ، أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى ، فالأداب الأخلاقية في كل المعاملات وقضاء الحاجات الإنسانية زينة الإنسان وحليته الجميلة ، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالاً وبهاءً ، وقيمةإنسانية .
ولا شك أن سلوك السلوك الأخلاقي دليل علىما في نفس الإنسان من خير ، وصلاح اخلاقه دليل على صلاح سريرته والعكس صحيح ، فسلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات ، يقول الامام الغزالي " فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة " .
3- إن هدف الأخلاق تحقيق السعادة في الحياة الفردية والجماعية . ذلك أن الحياة الأخلاقية هي الحياة الخيره البعيدة عن الشرور بجميع أنواعها وصورها ، فإذا انتشرت الأخلاق انتشر الخير والأمن والأمان الفردي والجماعي ، فتنتشر الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس واذا غابت انتشرت الشرور وزادت العداوة والبغضاء ، وتناصر الناس من أجل المناصب ، والمادة ، والشهوات . فلابد من القيم الأخلاقية الضابطه لهذه النوازع والا كثرت الشرور التي هي سبب التعاسة والشقاء في حياة الأفراد والجماعات ولهذا قال أحد الأخلاقيين الفرنسيين : إن الحياة من غير قيم – وان كانت حلوة على الشفاه – فإنها مرة على القلوب والنفوس .
4- إنها وسيلة لنجاح الإنسان في الحياة :
فالانسان الشرير المعتدى على أموال الناس وانفسهم وأعراضهم ، لايمكن أن يكون محبوباً بين الناس ، فلا يثقون به ، ولا يتعاملون معه، ثم إن الغشاش لابد أن ينكشف يوماً من الأيام فيظهر غشة وخداعه إن عاجلاً وإن آجلاً . وقد قال الشاعر :
ومهما يكن عند امرء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فإذا انكشف غشه وخداعه لا شك أنه معاقب بعدم التعامل معه إن كان تاجراً ، أوبعزلة من وظيفته ابن كان موظفاً وهكذا .
5- أنها وسيلة للنهوض بالأمة :
" ذلك أن التأريخ يخبرنا أن سقوط كثير من الأمم والحضارات كان بسبب انهيار الأخلاق كما قرر ذلك ان خلدون وغيره .
و قد سئل أحد وزراء اليابان ما سر تقدم اليابان هذا التقدم ؟ فقال الوزير: " السر يرجع إلى تربيتنا الأخلاقية .. "
" ولهذا كان النهج السديد في اصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون باصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها ولهذا اكد الإسلام على صلاح النفوس وبيّن أن تغير أحوال الناس من سعادة وشقاء ، ويسر وعسر ، ورخاء وضيق ، وطمأنينة وقلق ، وعز وذل كل ذلك ونحوه تبع لتغير ما بأنفسهم من معان وصفات" .
المحور الأول : تعريفات ومفاهيم :
قبل الحديث عن أخلاق العمل من منظور إسلامي يحسن بنا أن نعرج على بعض المعاني اللغوية ، والمفاهيم الاصطلاحية عساها أن تسعفنا ببعض الإضاءات الكاشفة عند ولوج أبواب الحديث عن هذا الموضوع المهم ، لذا سنعّرف الأخلاق في اللغة والاصطلاح ، ثم نتعرف إلى مفهوم العمل من خلال المنظور الإسلامي تمهيداً للحديث عن اخلاقه التي هي الهدف من هذا البحث .
أولاً : معنى الأخلاق في اللغة :
إن الناظر في كتب اللغة بجد أن كلمة أخلاق تطلق ويراد بها : الطبع والسجية ، والمروأة والدين. وحول هذه المعاني يقول الفيروزابادى " الخُلْقُ بالضم وضمتين السجية والطبع والمروأة والدين" ويقول ابن منظور : " الخُلُقُ والخُلْقُ السجية .. فهو بضم الخاء وسكونها الدين والطبع والسجية "
ثم يفسر ابن منظور ذلك بقوله " وحقيقته ، أي الخلق ، أنه لصورة الإنسان الباطنة ، وهي نفسه ، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة "
وفي هذا المعنى يقول الراغب الأصفهاني " الُخْلقُ في الأصل شيء وآحد كالشّرب والشُّرب والصَّرْمِ والصَّرْمِ لكن خص الخَلْقُ بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخُص الخُلْقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . قال تعالى ( وإنك لعلى خُلق عظيم ).
وقرىء : إن هذا إلاخَلْقُ الأولين ، والخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخُلُقِه قال تعالى ( وماله في الأخرة من خلاق ) (البقرة 200) وفلان خليق بكذا : أي كأنه مخلوق فيه ذلك كقولك مجبول على كذا ، أو مدعو اليه من جهة الخَلْقِ .. )
ومن خلال هذا العرض اللغوي يمكن ملاحظة ثلاثة أمور هي :
1- الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة .
2- تدل الأخلاق علىالصفات المكتسبة حتى اصبحت كأنها خلقت فيه فهي جزء من طبعه .
3- أن للأخلاق جانبين : جانب نفسي باطني ، وجانب سلوكي ظاهري .
ثانياً : الأخلاق في الاصطلاح :
عرف العلماء الأخلاق بتعريفات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ولكن سنذكر أهم تلك التعريفات ومنها :
1- تعريف ابن مسكويه ، فقد عرف الأخلاق بأنها " حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية . وهذه الحال تنقسم الى قسمين: منها ما يكون طبيعياً من أصل المزاج ، كالإنسان الذي يحركة أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب ، وكالإنسان الذي يجن من ايسر شيء كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعة أو يرتاع من خبر يسمعه ، وكالذي يضحك ضحكاً مفرطاً من أي شيء يعجبه ، وكالذي يغتم ويحزن من أيسر شيء يناله . ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب ، وربما كان مبدؤه الفكر ، ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً "
2- تعريف الغزالي حيث عرفها بأنها " هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير حاجة الى فكر وروية ) .
ويلاحظ من التعريفين السابقين أنهما يجنحان إلى منهج فلسفي الى حد بعيد فابن مسكويه كما يقول عبدالله دراز " كان متأثراً في تفكيره الأخلاقي بالتفكير الأرسطى ، بل كان يتبع ارسطوا في هذا التفكير تماماً .. ولا أقول إن أفكار أولئك نسخه من أفكار هؤلا في جميع نواحيها ذلك أن للإسلام ولجهودهم الفكرية أثر في بعض نواحي تفكيرهم أيضا)
ومع ذلك فإن التعريفين قد كشفا لنا معان مهمة من معاني الأخلاق فهي صفات مستقره في النفس الإنسانية تصدر عنها لافعال وردوها سريعة بطريقه تلقائية لا تكلّف فيها ، وبهذا تظهر الأخلاق .
3- عرفها عبدالكريم زيدان بقوله " ويمكننا تعريف الأخلاق بأنهامجموعة من المعاني والصفات المستقره في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح ، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه )
ولا يخفى أن هذا التعريف هو نفسه تعريف الغزالي مع إضافات غير خافية وتكمن اضافته الحسنة بأن المعاني والصفات المستقرة في النفس هي الضابط للإقدام والإحجام عن الفعل بحسب حسنة وقبحه .
وقد عرفها بعض العلماء بأنها " التحلي بالمليح والتخلي عن القبيح "
ولا شك أن هذا التعريف هو أخصر من التعريفات السابقة ، وأقرب الى الدلالة على المطلوب ، ولكن لو قيد بحسب الشرع لكان ذلك أحسن في نظرنا لتفادي توهم التحسين والتقبح العقليين وذلك غير مراد، فلو قيل " فعل المليح والتخلي عن القبيح بحسب الشرع " لكان هذا اولى حتى ننأى بالتعريف عن المناهج والتعريفات الفلسفية . وقد تنبه لذلك بعض الباحثين الأفذاذ مثل الدكتور يالجن فحدد مفهوم الأخلاق في الإسلام بقوله : " يمكن تحديد مفهوم الاخلاق في نظر الإسلام بأن الأخلاق عبارة عن علم الخير والشر والحسن والقبح وله قواعده التي حددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه "
والملاحظ أن الأخلاق في المعنى الاصطلاحي لا تبتعد كثيراً عن المعنى اللغوي – فنجد بينهما نسباً وصهراً ( فالعلماء يريدون بها تلك الصفات التي تقوم بالنفس على سبيل الرسوخ ، ويستحق الموصوف بها المدح أو الذم ) ولا شك أن المعاني اللغوية تدور حول هذه المفاهيم الاخلاقية كالدين والمروأه ويستحق من اتصف بها الذم والعكس صحيح ، فإن الأخلاق الكريمة مما تدعو اليها العقول السليمة والفطر المستقيمة ، ولهذا فإن الناس قد تعارفوا على أن الصدق والأمانة والوفاء بالعهود ونحو ذلك من الأخلاق الكريمة ، كما تعارفوا عن أن الكذب والغش والخيانة من الاخلاق الذميمة التي ترفضها العقول السليمة والفطر المستقيمة ، ثم جاءت الشريعة داعية الى المعروف من الأخلاق ناهية عن المنكر منها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
ثالثاً : مفهوم العمل :
العمل كما جاء في القاموس هو : ( المهنة والفعل وجمعه أعمال ، وأعمله واستعمله غيره ، واعتمل عَمِل بنفسه )
وقال الراغب الأصفهاني" العمل : كل فعل يكون من الحيوان بقصد فهو أخص من الفعل لان الفعل قد ينسب الى الحيوانات التي يقع منها بغير قصد... والعمل يستعمل في الأعمال الصالحة والسيئة "
والظاهر أن هناك فرقاً بين العمل والمهنة فكل مهنة عمل وليس كل عمل مهنة لأن المهنة تقتضي الاتقان والمعرفة الدقيقة بخلاف العمل ، فقد يعمل الإنسان في عمل لا يتقنه فلا يمكن أن نسميه ممتهناً له حتى يتقنه إلا أن يتجوز في ذلك .
وعليه فإن مفهوم العمل بمعناه الواسع في الإسلام هو : " كل جهد وعمل مادى أومعنوى أو مؤلف منهما معاً يعد عملاً في نظر الإسلام ، فعامل المصنع ومديره ، والموظف في الدولة ، والتاجر ، وصاحب الأرض ، والطبيب ، والمهندس ، كل هئولاء عمال في الدولة الإسلامية"
رابعاً : معنى المنظور الإسلامي :
نقصد بقولنا من منظور إسلامي أي من خلال نظرة إسلامية فاحصة متروية ، وأصل النظر في اللغة " تقليب البصر والبصيره لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص .. " والمقصود هنا هو معرفة أخلاق العمل وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
المحور الثاني : العمل في الإسلام
أولاً : نظرة الإسلام إلى العمل :
لقد نظر الإسلام الى العمل نظرة احترام وتمجيد ، فمجد العمل ورفع قيمته وربط كرامة الإنسان به ، بل إنه جعله فريضة من فرائضه التي يثاب عليها فهو مأمور به ، ولا شك أن من أطاع أمر الشارع فهو مثاب، فالعمل عبادة إذن وأي عباده ( حتى أصبح العمل في سبيل قوته وقوت عياله ، وفي سبيل رفعة امته وتحقيق الخير في المجتمع أفضل عند الله من المتعبد الذي يركن الى العبادة ويزهد في العمل . وأصبح الخمول والترفع عن العمل نقصاً في إنسانية الإنسان ، وسبباً في تفاهته وحطته) ولهذا فقد حث القرآن الكريم من خلال سوره وآياته على العمل فقال تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ، وقال تعالى : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) . وقال تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ).
كما أن كتب السنة النبوية المطهرة مليئة بالأحاديث الدالة عل الحث على العمل ، وترك العجز والكسل ، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من ياكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " كما روي عنه صلى الله وسلم أن قال :" من بات كالآمن طلب الحلال بات مغفوراً له "
كما أن الإسلام سلك مسلكا أخر غير مباشر في الحث على العمل فقد حث على اعانة الفقير وجعل المعين خيراً من المعان من جهة نوال الأجر والثواب ففي الحديث " اليد العليا خير من اليد السفلى" . وهكذا في الحث على انواع البر المختلفة كالصدقات والانفاق في سبيل الله ونحو ذلك .
ثانياً : ماهية العمل في الاسلام :
إن الناظر في الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة يلحظ أن طلب العمل جاء عاماً مطلقاً غير مقصور على عمل معين ، وغير مقيد بشىء سوى الحل الشرعي ، وهذا يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية ، ومختلف أنواع المعاملات والمكاسب مثل التجارة والزراعة والصناعة والشركة والمضاربة والإجاره وسائر ما يباشره الإنسان من أوجه العمل والنشاط الاقتصادي بغرض الكسب الحلال ، مادام يرمي إلى تحقيق مصلحة الإنسان وتحقيق التقدم والرفاه له ، وما دام يرمي إلى بناء المدنية الموجهه بعدل السماء ، فقد خلق الله الإنسان وطلب منه عمارة الأرض كما قال تعالى : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) .
وعلى هذا فليس هناك عمل حقير في المفهوم الإسلامي للعمل فإن كل يعمل يقوم به الإنسان فهو عمل جليل مادام مباحاً ويسد خلته وعوزه ويكفه عن مسألة الناس ، وبناء على ذلك فإن قيمة الإنسان وإنسانيته محفوظه لا تنقص بسبب ما يباشره من عمل وان عده بعض الناس عملاً حقيراً . وقد كان صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لاهل مكة . فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قالى : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " . وكذلك الأنبياء قبله صلى الله وسلم كانوا يعملون في حرف مختلفة ، فقد قال تعالى عن داود عليه السلام ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ..) والمراد باللبوس الدروع، قال القرطبي – رحمة الله – عند تفسير هذه الأية : " هذه الأية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب ، وهو قول أهل العقول والألباب لا قول الجهلة الأغبياء ، القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء ، فالسبب سنة الله في خلقه ، فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة ، ونسب من ذكرنا الى الضعف وعدم المنة ، وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع ، وكان أيضاً يصنع الخوص ، وكان يأكل من عمل يده ، وكان آدم حراثاً ، ونوح نجاراً ، ولقمان خياطاً ، وطالوت دباغاً ، وقيل سقاءً ، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس ، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس .. " لأن قمية الانسان في نظر الإسلام بحسب دينه وتقواه، لا يحسب ماله وغناه ، ولا بحسب عمله ومهنته .
فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغنى عن الناس خير له من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه " رواه الشيخان .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم على دريهمات لأهل مكة . (ولهذا وجدنا أكابر الأمة من علمائها وفقهائها يمتهنون مختلف المهن الحرة المباحة ، كما وجدنا بعض الصحابة الكرام يؤجرون أنفسهم لغيرهم للقيام ببعض الأعمال المباحة الحلال لقاء اجر معلوم )
والجدير بالذكر أن العمال إلى عهد قريب " كانوا يترقون في كل باب من أبواب هذه الصناعات ، وكانت ترقية العامل من عريف الى معلم تعلن في حفل اسلامي السمات يحضره أساتذة الحرفة ويبدؤه شيخ الطائفة بإجراء اسلامي هو سؤال الحاضرين قراءة فاتحة الكتاب ) . وفي هذا دليل ساطع على أن كل مهنة محترمة مادامت في دائرة الحلال ، وأصحابها محترمون كذلك ، وهذا هو المنظور الإسلامي الصحيح للعمل .
ثالثاً : منع البطالة في الإسلام :
حيث إن الإسلام يحث على العمل - كما سلف – فلا شك أنه يكره البطالة ويمقتها بل يمنعها ، وذلك يتفق وفطرة الإسنان المفطور على تلبية حاجاته الضرورية وغير الضرورية الى تهيىء له الحياة الكريمة وبناءً على ذلك فإن الذين يندفعون إلى العمل للحصول على تلك الأشياء هم منسجمون مع الفطرة السليمة ، أما الذين يميلون الى الكسل والخمول والعزوف عن العمل ويخلدون الى الراحة فإنهم يناقضون الفطرة السليمة مناقضة ظاهرة .
ولا شك أن التبطل دونما سبب كعجز أو شيخوخه يؤدي إلى تعطيل القوى والمواهب الإنسانية التي قد تودي دوراً فاعلاً للأمة ، كما أنه سبيل إلى الفقر والعوز وإضافة أعباء أخرى على الأمة ، كما أن البطالة قد تدفع المجتمعات الى حافة الهاوية فتعرضها إلى أخطار من أجل ذلك كله حث الإسلام علىالعمل وكره البطالة ومنعها لسوء نتائجها بالاضافة إلى أن الإنسان إذا عزف عن العمل ابتلاه الله بالهم فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أخشى ما خشيت على أمتى كبر البطن ومداومة النوم والكسل" وقال " البطالة تقسى القلب"
المحور الثالث : أخلاق العمل :
نقصد بأخلاق العمل : الأخلاق التي يجب توافرها في العامل ، وفي صاحب العمل على حد سواء . وقبل أن نفصل ذلك نقول :
إن الأصل في الإنسان المسلم أن يتمسك بالعقيدة الإسلامية التي تدعو إلى مكارم الأخلاق ، وتنهى عن سفاسفها ، وبالتالي على المسلم أن يتعرف إلى الأخلاق الكريمة بشقيها الحسنة والقبيحة ، ومع ذلك فإن ذلك العلم لا يكفى بل على الإنسان المسلم أن يسلك السلوك الأخلاقي في حياته كلها ، ومنها أخلاق العمل .
" والأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة ، فالبشر كانوا ولايزالون يعدّون الصدق والوفاء بالعهد والجود والشجاعة والصبر أخلاقاً أصيلة يستحق صاحبها الثناء والتكريم ، و لايزالون يعدّون الكذب والغدر والجبن أخلاقاً سيئة ترفضها العقول السليمة ، وتذم صاحبها ، والشريعة جاءت داعية الى المعروف من الأخلاق ، وتنهى عن المنكر منها "
مما سبق يظهران الناس على اختلاف مللهم ونحلهم ، واختلاف السنتهم وألوانهم يقسمون الأخلاق إلى كريمة وذميمة ، يميلون الى الكريمة بفطرهم السليمة ، ويستقبحون الذميمة بعقولهم الصريحة التي لم تلوثها الملوثات الطارئه ، فكيف إذا جاءت الشريعة الإسلامية تثبت الكريمة في الفطر المستقيمة ، وتنهى عن الذميمة حتى لا يقع فيها أحد ، وحذرت من الوقوع فيها اشد تخدير ، ورتبت على ذلك الجزاء في الدنيا ، والأخرة ، لمن اتبع ولمن امتنع واليك تفصيل أخلاق العمل على النحو التالي :
اولاً : الأخلاق المطلوبة في العامل :
يظهر لنا أن أساس الأخلاق المطلوب توافرها في العامل هما خلقان مرتبطان ببعضهما لا ينفكان هما : القوة والأمانة ، وتكاد تندرج جميع أخلاق العمل – أو معظمها – تحت هذين الخلقين المهمين . فسنتحدث عن هذين الخلقين أولاً ، ثم نتبعهما بعض أخلاق العمل الأخرى المطلوب توافرها في العامل على النحو التالي :
1. القوة :
القوة في الأصل ضد الضعف " تستعمل تارة في معنى القدره نحو قوله ( - خذوا ما آتيناكم بقوة - .. ويستعمل ذلك في البدن وفي القلب ..) أي تستعمل في الأشياء المادية والمعنوية فيقال : قويت أطرفه ، وقويت عزيمته ، وقويت مكانته ومنزلته. أن القوة المعنوية مطلب مهم " وهذه القوة المعنوية فضيلة من الفضائل يعني بها رجال الأخلاق والأدب فالقرآن يستعمل القوة بمعنى صدق العزيمة وصلابة الإرادة كما قال تعالى : ( خذوا ما آتيناكم بقوه ) أي تقبلوه واحرصوا عليه ، واعملوا بجد ونشاط، ولا تميلوا إلى الضعف والوهن . فالقوة إذن مطلوبة للعمل كما قالى تعالى ( إن خير من استأجرت القوى الأمين ) –القصص :26 – " فهكذا ينبغى ان يكون الأجراء ، وهكذا ينبغي أن تختار العمالة ، فينبغى أن تراعي فيهم القوة والأمانة ." ومن هنا يجب أن تكون القوه مناسبة للعمل المراد القيام به كما قدمنا أن من القوة ما هو مادي ، وماهو معنوي .
فقوة العامل المكلف بعمل أشياء والسعي في أمور والذهاب والإياب ، فيختار له االعامل القوى البدن ، وقوة الفلاح تكمن في بدنه ، وقوة الصانع تكمن في معرفته بصنعته ومهارته فيها ، والمهندس تكمن قوته في عمله وحسن تخطيطه ، والمدرس تكمن قوته في معرفته بتخصصه وحسن تعليمه ، وهكذا فإن القوة في كل مهنة بحسبها قوة ومعرفة واتقاناً وفي هذا يقول ابن تيمية رحمة الله ( والقوة في كل ولاية بحسبها ، قالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاة القلب وإلى الخبرة بالحروب .. والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنه ، والى القدرة على تنفيذ الاحكام ) .
وهذه الأعمال التي يتولى بعض الناس القيام هي بلا شك ولايات وأمانات فلينظر الإنسان موقعه من تحمل تلك الأمانة.
2. الامانة :
لا شك أن الأمانة خلق أوجبه الإسلام ، واعتز بها العرب قبله، فإذا أرادوا أن يمتدحوا إنساناً وصفوه بالأمانه ، وقد أكد القرآن الكريم في كثير من أياته على هذا الخلق ، وكذلك فعلت السنة المشرفة فقال تعالى ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) - المؤمنون 8 - وقال تعالى (إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها ) – سورة النساء : 58 - والواقع أن أمور الناس لاتستقيم إلا بالأمانه ، ومنها أن يخلص في عبادته ، وأن يحسن الانتفاع بوقته ، وأن يحسن العامل ، والصانع ، والتاجر عمله , و ان يجتهد فيه ، ومن الأمانة أن يحسن الموظف عمله ، وأن يؤدي ما عليه من مسؤولية وتبعة تجاه المواطنين والدولة والأمة جميعاً.
ولا شك أن هذا الخلق الجميل أساس من أسس الدين فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم قوله " الإيمان أمانة ولا دين لمن لا أمانه له" ولما كانت الامانة خلق الفطرة السليمة والطبع الكريم الأصيل كان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً بها بين قومه قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم .
وعليه فإذا اجمعت القوة والأمانة في شخص معين كان ذلك أحرى بالقيام بعمله على الوجه الأكمل وهو الأجدر بالعمل من غيره ، وان كان اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل كما يقول ابن تيمية رحمة الله .
ويظهر مما سبق ( أن خير الأجراء من تمتع بقوة الجسم واتصف بالأمانة ، فإن قوة الجسم هي المعينة على أداء العمل وانجازه ، وأن الأمانة هي الحافز الذي يدفع العامل إلى احسان العمل واتقانه واجادته ، وهي الخلق الذي يحول بينه وبين الغش والإهمال " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين " ولا يطمح اصحاب العمل و لايريدون من العامل اكثر من ذلك ) هذا ويمكن أن نلخص واجبات العامل في النقاط التاليه :
• ان يعرف العامل ما هو المطلوب منه وما هي واجباته ومنطلقات عمله وأن يكون العقد بين العامل وصاحبه واضحاً لا لبس فيه .
• أن يشعر بالمسؤولية تجاه العمل الذي كلف او تعاقد عليه وارتبط به .
• أن يؤديه على أحسن الوجوه أيا كان نوع العمل سواء كان موظفاً أو صانعاً أو مزارعا أو مهندساً أو طبيباً أو معلماً ونحو ذلك .
• أن يؤدي ذلك بأمانة واخلاص دون غش او اهمال أو تقصير لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب من احدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه " وهذا يعني بداهة أن الله يمقت التقصير والاهمال في العمل قال صلى الله عليه وسلم ( من غش فليس منا ) .
• عدم الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها . فتضييع الأوقات خيانة ، والغش خيانة ، وأخذ الرشوة خيانة ، وتعطيل أعمال الناس خيانه ، فكل من تقلد عملاً . مهما كان نوعه ولم يؤده وفق ما طلبه منه الشرع الحنيف فهو خائن لأمانته والله تعالى يقول(ياأيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)- الأنفال :اية 27-.
• عدم استغلال عمله ووظييفته ليجر بذلك نفعاً إلى نفسه أو قرابته ، أو من هم دونه ، دون حق شرعي أو قانوني ، فإن هذا الأستغلال يعد جريمة ، إذ المال العام أمانة عند من استؤمنوا عليه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " من استعملناه على عمل ، فرزقناه رزقاً فما أخذ ب
الموضوع : فلسفة الجهاد وفلسفة الإرهاب المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs2005 توقيع العضو/ه :atefbbs2005 |
|