السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في مسلسل تطاول تلك الفئة الضالة التي تسمي نفسها بالنخبة المثقفة الليبرالية التنويريةعلى ثوابت الإسلام ومظاهره، كتب د. جابر عصفور ثلاث مقالات كاملة في جريدة الأهرام تطاول فيها على الحجاب (لا النقاب)، مدعياً أن زي المرأة يخضع للأعراف والتقاليد، كما يراه المثقفون وعلماء الأزهر أصحاب الفِكر المستنير، بخلاف مَن أسماهم بدعاة الحجاب أو النقاب الذين وقعوا في الحرفية النصية أو الأصولية الجامدة قرينة الأفق المغلق!!!
ولم يقطع سلسلة تلك المقالات إلا نعيه في مقالةٍ له وفاة الهالك نصر أبو زيد.
وهذه الأفكار الخبيثة من تلك الفئة الضالة ليست بجديدة ولا مستغربة، الجديد والمستغرب جرأتهم المتزايدة يوماً بعد يوم على ثوابت الدين، حتى أصبح لا يُدرَى مِن أين ستأتي الطعنة القادمة، وهذا بلا رادِع ولا رقيب، في ظل غياب المؤسسة الدينية الرسمية ودعم الدولة لهؤلاء الأقزام، وتخصيص المنابر الصحفية والمسموعة والمرئية لبث أفكارهم.
وجابر عصفور هذا مِن تلامذة الضال طه حسين، ومِن كبار المدافعين عن الهالك نصر أبو زيد.
وإن الأمر جد خطير، وهذه الأفكار المسمومة أصبحت مستساغة لدى كثير من الناس الذين يأخذون ما يقرؤنه في الجرائد والمجلات وبرامج الفضائيات كمرجعية موثوق بها ثقة عمياء، ويقولون "قال الكاتب الكبير، أو المفكر الكبير...".
وقد رأيت أن أعرض لكم بعض ما كتبه ذلك العصفور ليتيبن مدى ضلال تلك الفئة التي تدعي أنها تحمل شعلة تنوير الأمة.
أولاً: مقال "الإسلام لم يفرض زيا محددا للمرأة" بتاريخ 14/06/2010
قال الكاتب: ((حجاب المرأة لا يختلف جذريا عن سفورها, فحضور المرأة والمساواة بينها والرجل في الإسلام وصيانة كرامتها أمور أكبر من أن نختزلها في قطعة قماش نسميه حجابا, أو في زي يخفيها عن الأعين نسميه نقابا, فالأصل في ملبس المرأة في الإسلام هو العفة, والبعد عن الإثارة والغواية.
فالمرأة السافرة لا تقل احتراما عن المرأة المحجبة, والعكس صحيح بالقدر نفسه, وإنما هي مسألة أعراف اجتماعية, واجتهادات في تأويلات نصوص دينية ولقد سمعت من الدكتور زقزوق أكثر من مرة, ومن فضيلة الإمام أحمد الطيب, شيخ الجامع الأزهر, الجملة التي جعلتها عنوان هذه المقالة, والتي أومن بصوابها معتمدا علي التراث العقلاني الإسلامي الذي تواصل عبر مشايخ الأزهر المستنير الذين قادوا حركة الاستنارة مع أقرانهم الأفندية المطربشين, سواء في مدي الدفاع عن الدولة المدنية, أو الإيمان بتحرر المرأة وحريتها وسفورها الذي أخذ يغدو علامة علي بزوغ إسهامها الفاعل في الحركة الوطنية بعد ثورة 1919.))
وقال:((وظني أن إدراك رفاعة لهذا المبدأ الإسلامي في التربية والنظر إلي المخبر لا المظهر, وفهم الإيمان بأنه ما وقر في القلب, لا ما لبس أو خلع من ثياب هو الأصل السليم السوي الذي يمنع اللخبطة وهي كلمة عامية وقعت موقعها في فكر رفاعة الذي أضاف بها إلي ما استهله حسن العطار من تقاليد عقلانية مفتوحة, لا تتعارض مع المحكمات من المنقول, ولكنها لا تقع في الحرفية النصية أو الأصولية الجامدة قرينة الأفق المغلق, ولقد مضي الشيخ محمد عبده علي هذا الطريق, وأضاف إليه الكثير, ولم يشغل نفسه بظاهر الأزياء, بل بباطن القلوب. ومضي علي إثر محمد عبده عدد قليل حقا, بالقياس إلي العدد الكثير الذي لم يتأثر بتعاليم الإمام الذي أفتي بتحليل الرسم والنحت, مؤكدا معني القيمة الجمالية التي تجعل من الشعر تصويرا صامتا, والشعر رسما ناطقا, ولم يشغل نفسه بشكلية الأزياء واستمر تيار الإمام محمد عبده الذي توفي سنة1905 ولذلك تقبل الأزهريون المستنيرون سفور المرأة المصرية مع ثورة1919 وفي أعقابها, ولم نسمع منهم مدعيا بأن الحجاب فريضة أو ركن من أركان الإسلام كما نسمع هذه السنوات واستمر الأمر علي ذلك الحال في الوعي الأزهري والوعي الاجتماعي, فكان بنات الشيخ الباقوري سافرات مثل غيرهن من بنات مشايخ الأزهر أو خريجي مدرسة القضاء الشرعي مثل بنات الشيخ أمين الخولي وزوجه بنت الشاطئ, ولم تنقطع الاستنارة في الأزهر, رغم وضعها الهامشي المقموع, إلي أن وصلت إلي جيل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي ذكر في أحد حواراته أن جده لأمه كان فنانا في نحت التماثيل الفرعونية بالغة الدقة, وتفرد بفنه الذي احتفظ بأسراره, وقد صدر كتاب بالإنجليزية عن إبداعه, ويمكن أن أضيف إلي هذين العالمين الجليلين القانوني العظيم والفقيه المتعمق في قضايا الفكر الإسلامي والشريعة, أعني الدكتور أحمد كمال أبو المجد الذي لا يزال يؤمن أن عفة المرأة كاحترامها مسألة لا تختزلها قطعة قماش صغرت أو كبرت.))
فالإيمان عند هذا الكاتب وأمثاله هو ما وقر في قلوبهم الفاسدة فقط، وللا يدخل العمل في الإيمان عندهم، ولهذا أتوا بالتقسيم الباطل لشعائر الإسلام فجعلوا بعضها مظاهر تافهة لا أهمية لها، والبعض الآخر جواهر لا يعلمون شيئاً عنها.
ثم شرع في ذكر الأكاذيب والافتراءات ليعلل بها أسباب ظهور الحجاب، فقال: ((وقد بدأ التغير السلبي المتمثل في النظر إلي المظهر لا المخبر نتيجة عاملين تزامنا مع هزيمة1967, أولهما الهجرة إلي بعض بلاد النفط التي عاد منها المهاجرون الجدد بنظرة دينية متصلبة, لا تعرف السماحة الدينية التي اعتادت عليها مصر التي سبقت كل الأقطار العربية إلي تحرير المرأة وسفورها وجاور ذلك تحالف السادات مع الإخوان المسلمين الذين عملوا علي إشاعة نزعة تديين لا تقل جمودا وشكلية عن فقهاء النفط وازداد الوضع تأزما مع صعود دعاوي الدولة الدينية, وإحلالها محل الدولة المدنية, خصوصا بعد صعود الجمهورية الإسلامية في إيران, وذلك في السياق الذي أدي إلي صعود طالبان في أفغانستان, ومن ثم القاعدة التي انتشرت كأذرع أخطبوط خرافي مرعب وأصبحت الدعوة إلي الدولة الدينية قرينة الحجاب والنقاب اللذين تحولا, في حالا كثيرة, إلي رمز سياسي متمسح بالدين, فانقضي زمن هدي شعراوي وسيزا نبراوي وأمينة السعيد وعائشة عبدالرحمن ونعمات فؤاد وأم كلثوم وتحية حليم, واستبدلت مصر بزمن جميل مضي زمنا نعاني من قبحه ومن طول تثاقله.))
فظهور الحجاب والنقاب في رأي ذلك الكاتب هو نتيجة لانتشار من أسماهم بفقهاء النفط أصحاب الدين الجامد الذي يدعو في رأيه للاهتمام بالمظهر، وقد ذكرني هذا بقول شيخ الأزهر الحالي "الطيب": "فقه البادية".
ثانياً: مقال "قصيدة لم يطوها النسيان" بتاريخ 28/06/2010
والتي ذكر فيها قصيدة عجيبة نسبها للشيخ الشعراوي، وادعى أن الشعراوي قالها مدحاً في طه حسين، ثم قال حاكياً عن طه حسين: ((وجعلته يؤمن إيمانا عميقا بما دعا إليه الشعراوي في قوله:
واصرفوا الناس عن مثار جـدال في مزايا شكلـية الأزياء
ورحم الله الشيخ الشعراوي, فقد نطق بالحق, فما أكثر أسباب تخلفنا, ومنها الجدال في مزايا شكلية الأزياء.))
ثالثاً: مقال "حوار عائلي عن الحجاب" بتاريخ 05/07/2010
والذي سرد فيه الكاتب حوار بينه وبين بعض الشباب من أقربائه الذين لاموه على مقالاته التي هاجم فيها الحجاب، ونصحوه أن يترك الكلام في ما يخص الشريعة لأهل الاختصاص من العلماء.
فقال راداً على إحداهن: ((ولكني شرحت لها ما قاله الإمام محمد عبده أعظم مفت للديار المصرية الذي توفي سنة1905 من أنه لا كهنوت في الإسلام, ولا سلطة دينية فيه, وأنه لا سلطة دينية لحكامهم ولا علمائهم ما ظل الأصل هو أن الإيمان يعتق المؤمن من كل رقيب عليه, سواء بالمعني السياسي أو المعرفي وأضفت إلي ذلك أن لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله, وعن رسوله من كلام رسوله( صلي الله عليه وسلم), دون توسيط أحد من سلف أو خلف, فليس في الإسلام ما يسمي عند قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه ولذلك يا ابنتي, فأنا لي حق أن أفهم من الإسلام ما يهديني إليه عقلي, ما دمت مزودا بالخبرة في علوم اللغة والتراث والقراءة الطويلة في التراث الإسلامي الذي أزعم أني أحسن معرفته بحكم تخصصي الأول في علوم البلاغة التي جرتني إلي علوم القرآن والحديث والدراية بمذاهب الحديث وتحري أفكار الفرق الإسلامية المختلفة))
فهذا الكتاب وأمثاله لا يريدون أن يكون هناك رقيب شرعي على أفكارهم وأقوالهم وأفعالهم، وإنما يريدون أن يفهموا الدين كما يشاؤون ويأخذوا منه ما يهوون ويتركوا منه ما لا يوافق أهوائهم، بلا مرجعية شرعية. وكالعادة لا بد أن يذكروا التجربة الفاشلة التي عاناها الغرب في عصور الظلام مع الكنيسة الغربية، ويريدون أن يطبقوا هذا النموذج على الإسلام ليخرجوا باستنتاج خطير وهو: لا سلطة دينية في الإسلام...
ثم وعاد وذكر أكاذيبه مرة أخرى فقال: ((ما أعرفه أن الأزهر الشريف لم ينشغل أحد فيه بقضية الحجاب منذ ثورة1919 التي علمتنا أن الدين لله والوطن للجميع, وأتاحت للمرأة السفور الذي تقبله الأزهر, ولم ينشغل أحد بالحجاب إلي أن حدثت هزيمة1967 من ناحية, وتعاليم الثورة الخومينية في إيران من ناحية ثانية, وتحالف السادات مع الإخوان من ناحية ثالثة, وامتداد إشعاع أفكار طالبان ثم لقاعدة من أفغانستان إلينا بواسطة الذين هاجروا إليها, وعرفوا باسم العائدين من أفغانستان من ناحية أخيرة.))
ثم ذكر الكاتب مداخلة زوجته في المناقشة قائلة: ((هل كنا نحن وأسرنا كلها خارجين علي الإسلام لأننا نشأنا في بيوت لا تعرف الحجاب أو النقاب؟ لقد نشأنا سافرات, ولكن ملتزمات بتعاليم الإسلام, في بيوت تعمرها التقوي, ويتردد فيها صوت المقرئ مع رائحة البخور كل يوم جمعة, وظللنا علي هذا الحال طويلا, وأنا شخصيا نشأت ابنتي المرحومة سهير علي ذلك, وذهبت إلي إسبانيا لتحصل علي الدكتوراه, وعادت وهي ملتزمة بتعاليم دينها. وها هي زوجة ابني سافرة, ولكنها لا تنسي فروضها الدينية, وأدت معي وزوجها فريضة الحج, ونحن نؤدي الزكاة ونعرف الصلاة, ونحنو علي الفقير, ولا نعبد الله خوفا منه, بل أملا في رضاه ورحمته, ولا نخشي سواه, ولا يمكن أن أقتنع أن حشمتي تنقص أو تزيد لو ارتديت حجابا, ولذلك فأنا لا أرتديه لأنني لا أقبل اختزال ديني في علامة خارجية هي حجاب أو نقاب, فإيماني هو ما وقر في قلبي وصدق عليه عملي ما دمت أعتقد أني علي الحق, وأقرب إلي الله من غيري الذي يختزل دينه في قطعة قماش.))
ونحن نعبد الله طمعاً في رضاه وجنته، وخوفاً من سخطه وعقابه.
ثم قال الكاتب: ((دعونا نفكر فيما هو أجدي, وأن نبحث عن حل لخروج ملايين المسلمين من نفق التخلف والفقر والجهل والمرض, فنحن في زمن لا يجد فيه الفقير قوت يومه, ولا تعليما حديثا, ولا صناعة متقدمة, ولا رعاية صحية أو عدالة اجتماعية ))
والواقع أن هذا الكاتب وأمثاله هم أحد أهم أسباب الجهل والتخلف والانحطاط التي وقعت فيها الأمة، حين انحرفت عن منهج الله. وها نحن منذ أن سقطت الخلافة وتركنا التحاكم إلى شرع الله ونحن من سيء إلى أسوأ، وقد سبقتنا كل الأمم في شتى المجالات، مع أننا اتبعنا كل المناهج البشرية الوضعية، وحتى الآن لازلنا نلهث وراء النموذج الغربي في الفكر والحياة، والتي يدعو إليها هذا الكاتب ومن هم على شاكلته، وسنظل على هذا الحال ما دمنا نتبرأ من الإسلام كمنهج حياة، كمظهر وجوهر...
وهل يكون التقدم بترك ما أمر به الشرع، ولو كان قطعة قماش؟؟؟؟
وأخيراً أقول: الإسلام عائد بإذن الله تعالى رغم أنف أعدائه مِن الكفرة والمنافقين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الموضوع : جابر عصفور الله يهديه يتطاول على الحجاب فى ثلاث مقالات بجريدة الاهرام المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: مهـ مع القرآن ـاجر توقيع العضو/ه :مهـ مع القرآن ـاجر |
|