الرحمة ]
الرَّحْمَة خلق سام , و سجيَّة عظيمة لا بد أن يتخلق بها المؤمن و يتصف بها ,
فهي من مبادئ الإسلام الأساسية , و أخلاقه الكريمة.
و تتجلى أهمِّيتها في أنَّ الله عزَّ و جلَّ تسمَّى و اتصف بها ,
فمرة باسم الرَّحمن و مرة باسم الرَّحيم
فهو سبحانه و تعالى رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما .
قال تعالى:
{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
فجمعهما الله في مكان واحد لتستغرقان جميع معاني الرَّحْمَة و حالاتها و مجالاتها .
و تكمن أهمية هذه الصِّفة أيضًا ،
في كونها ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده ,
يستشعرون من خلالها معنى الوحدة و الألفة ،
فيصيرون كالجسد الواحد الذي يشتكي إذا اشتكى أحد أعضائه و يئن إذا أنَّ .
( مثل المؤمنين في توادِّهم و تراحمهم و تعاطفهم ،
مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر و الحمى ) .
و تتضح أهميَّتها أيضًا في أنَّ أهلها مخصوصون برحمة الله تبارك و تعالى دون سواهم ,
معنيُّون بها دون غيرهم ،
فقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم:
( الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن ،
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) .
كما تتَّضح أهميتها في جوانب أخرى ، سنعرض لها عند ذكر الآيات و الأحاديث الدالة
على هذه الصفة العظيمة ، و السَّجيَّة الكريمة .
الترغيب و الحث على الرَّحْمَة من القرآن الكريم :
ذكر الله هذه الصفة العظيمة في غير آية من كتابه الكريم , إمَّا في معرض تسميه و اتصافه بها ,
أو في معرض الامتنان على العباد بما يسبغه عليهم من آثارها , أو تذكيرهم بسعتها ,
أو من باب المدح و الثناء للمتصفين بها المتحلِّين بمعانيها , أو غير ذلك من السياقات.
و سنذكر بعض هذه السياقات القرآنية و التي يتضح من خلالها مقدار هذا الخلق العظيم
الذي أثنى الله على أصحابه , و حث على التخلق به و اكتسابه .
تَسمِّيه جلَّ و علا باسم الرَّحمن و الرَّحيم ، و اتصافه بصفة الرَّحْمَة :
و هذا كثير جدًا في القرآن ، نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر:
قال الله تبارك و تعالى:
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
[ الفاتحة : 2 – 3 ]
فقد سمى الله نفسه بهذين الاسمين المشتملين على صفة الرَّحْمَة ,
قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما :
( هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة ) .
و من ذلك ، بيان أنَّ من كمال رحمته قبول توبة التائبين , و التجاوز عن المسيئين ,
قال تعالى:
{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
[ البقرة: 37 ]
و قوله تعالى :
{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[ التوبة: 102 ]
و من ذلك أيضًا ، بيان أنَّ من رحمته عدم مؤاخذة النَّاس بذنوبهم ,
أو عقابهم بأخطائهم و معاصيهم , و أنَّه لو فعل لعاجلهم بالعذاب ,
قال تعالى:
{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا }
[ الكهف: 58 ]
و من ذلك ، امتنانه على الخلق بأنَّ رحمته وسعت كل شيء ,
و أنَّها رغم سعتها لا يستحقها إلا الذين اتقوه و استجابوا لأمره ,
قال تعالى:
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }
الأعراف: 156].
و من ذلك ، امتنانه على خلقه بما شرع لهم من أحكام ، و أن ذلك من كمال رحمته ورأفته بهم ،
قال تعالى:
{ وكذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاس لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }
[ البقرة: 143 ]
و من ذلك أنَّ الله جعل هذه الصفة خلق لصفوة خلقه ،
و خيرة عباده و هم الأنبياء و المرسلين , و من سار على نهجهم من المصلحين ,
فقد قال الله تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه و سلم على ما ألقاه في قلبه من فيوض الرَّحْمَة ،
جعلته يلين للمؤمنين ، و يرحمهم و يعفو عنهم , و يتجاوز عن أخطائهم
فقال سبحانه و تعالى
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ }
[ آل عمران: 159 ]
أي: فبسبب رحمة من الله أودعها الله في قلبك يا محمد ، كنت هيِّنًا ،
لين الجانب مع أصحابك ، مع أنهم خالفوا أمرك و عصوك .
و من ذلك ثناء الله على المتَّصفين بالرَّحْمَة و المتخلِّقين بها ,
فقد قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه و سلم ، و أصحابه الذين معه:
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }
[ الفتح: 29 ]
فهم أشداء على الكفار ، رحماء بينهم , بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم ,
فالإيمان بالله و اليوم الآخر متى تغلغل في القلب حقًا ،
غرس فيه الرَّحْمَة بمقدار قوته و تغلغله و لكن جعل لها طريقًا لا تتعداه .
و قال تعالى:
{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }
[ البلد: 11 – 18 ]
قال محمد الطاهر عاشور :
( خصَّ بالذِّكر من أوصاف المؤمنين ، تواصيهم بالصَّبر ، و تواصيهم بالمرحمة ،
لأنَّ ذلك أشرف صفاتهم بعد الإيمان ، فإنَّ الصَّبر ملاك الأعمال الصَّالحة كلِّها ؛
لأنَّها لا تخلو من كبح الشَّهوة النَّفسانيَّة و ذلك من الصَّبر .
و المرحمة ، ملاك صلاح الجماعة الإسلاميَّة
قال تعالى:
{ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ }
[ الفتح: 29 ]
و التَّواصي بالرَّحمة فضيلة عظيمة ، و هو أيضًا كناية عن اتِّصافهم بالمرحمة ،
لأنَّ من يوصي بالمرحمة هو الذي عرف قدرها و فضلها ، فهو يفعلها قبل أن يوصي بها .
[ و أنتظرونا فى حلقات مقبلة إن شاء الله ]
أســـأل الله لي و لكم الـــثـــبـــات
اللـــهـــم صـــلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين
--- --- --- --- --- ---
المصدر : موقع الدُرر السُنية .
و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم و أجَلّ
صدق الله العلى العظيم و صدق رسوله الكريم
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )
( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )
( و الله الموفق )
الموضوع : من فضائل مكارم الأخلاق ) المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: شهد شحاتة