في ظل هذا الواقع الذي تعيشه اللغة العربية، وهو واقع يؤلم النفس، يتعيّن علينا استشراف المستقبل والقيام بحركة فاعلة ومنتجة على الصعيد اللغوي، لوضع الأسس لبناء المستقبل.
في سنة 1997 عقد مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة حول موضوع (اللغة العربية : معالم الحاضر وآفاق المستقبل)، كان من محاورها محور يختص بمستقبل اللغة العربية : (دراسة وسائل تحديث اللغة العربية واستغلال الإمكانات التقانية، ومنها الحاسوب، لتستطيع هذه اللغة مسايرة التطور العلمي والتقاني المتسارع). ومما يلفت النظر في التوصيات الصادرة عن الندوة أنها تخلو من التركيز على مستقبل اللغة العربية بالقـدر الكافي.
ففي التوصية الرابعة جاء : (بذل مزيد من العناية في إعداد مدرس اللغة العربية، وتقويم أساليب تعليم اللغة العربية باستغلال الوسائل التقانية الحديثة والوسائل السمعية البصرية، وإقامة ندوات لمدرسي اللغة العربية تُطلعهم على أنجع طرق التدريس وتدريبهم على استعماله). وورد في التوصية الخامسة : (السعي في جعل اللغة العربية المبسطة تعلم في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وتشجيع الأطفال على استعمالها والتماس الوسائل المعينة على تعلّمها لهم. وكذلك تشجيع الطلاب في المراحل الثانوية والعالية على استعمالها).
وممّا يلاحظ في هذا السياق أن هاتين التوصيتين لا تتطابقان مع المحور الخامس للندوة حول مستقبل اللغة العربية. ومعنى ذلك أن الاهتمام بمستقبل اللغة العربية لا يسير في الاتجاه الصحيح في جميع الأحوال، وأن الجهود لتأمين هذا المستقبل، على ما يتوافر لدى أصحابها من نوايا طيبة ومن علم غزير، فهي ليست من الفعالية وقوة التأثير بحيث تؤتي أكلها في كل حين.
وعلى عكس ذلك نجد أن التوصيات الصادرة عن الندوة التي عقدت في الرباط في سنة 2002 تحت عنوان : "اللغة العربية إلى أين ؟"(17) تستجيب لتطلعات المرحلة، وتعبر عن الحاجة إلى التطوير والتحديث. وأرى أن من الفائدة أن أنقل فيما يلي نص هذه التوصيات، لما لها من قيمة، ولكونها تعبّر عن الحاجات الحقيقية لمواكبة العصر وللتفاعل مع العولمة. ولكنها مع ذلك ستظل أفكاراً عامة واقتراحات وتوصيات ما لم تأخذ سبيلها إلى التنفيذ. وتلك مهمة الهيئات التنفيذية الرسمية.
أولاً : تعزيز الثقة باللغة العربية، والاعتزاز بها حفاظاً على كيان الأمة، وترسيخاً لشخصيتها ووجودها. واعتبار التفريط في اللسان العربي القرآني تفريطاً في الهوية، ويتصل بذلك تقدير التراث العربي الإسلامي والعناية به وإبراز دوره في الحضارة الإنسانية من خلال أمثلة واقعية.
ثانياً : التوسع في نشر اللغة العربية بمختلف الوسائل، وتقدير ودعم كل الجهود التي تبذل في هذا السبيل على مستوى الدول والمنظمات والمجامع والأفراد، وتهيئة الفرص للمزيد من العناية بنشرها لغة وثقافة وحضارة، وتمتين الصلة بين الجهات المعنية بهذا الدور وطنياً وإقليمياً وعالمياً، من أجل تطوير الكيف والكم في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
ثالثاً : أن تتولى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، ومجامع اللغة العربية إصدار استراتيجية لنشر تعليم اللغة العربية وخطة شاملة للعناية بها في المناهج الدراسية والكتب المنفذة لها، والوسائل المعينة على نشرها في مختلف المستويات، على أن تسعى هذه الجهات إلى الحصول على الدعم المادي والمعنوي من الدول العربية والإسلامية وجهات التمويل المعنية بتفعيل برامج هذا المشروع.
رابعاً : التأكيـد على اشتمال أي خطة لدعم تعليم اللغة العربية على ما يلي :
1 ـ مناهج متقنة ووسائل تعليمية متطورة لمراحل التعليم المختلفة، ولغير المتخصصين، وغير الناطقين باللغة العربية، تراعي الظروف الفردية، وتستجيب إلى حاجة المتعلم، وتستفيد من إمكانات العصر الحديث وتقاناته المتنوعة.
2 ـ توجيه المنظمات والدول والمجامع اللغوية إلى تشجيع إجراء مسابقات وطنية وإقليمية لتأليف كتب منفذة لتلك البرامج والمناهج، وتكريم مؤلفي الأعمال القيمة، وإجراء تقويم مستمر لتطوير حركة التأليف في هذا المجال، مع الأخذ في الاعتبار تحسين هذه العملية ومقارنتها بالمؤلفات المماثلة لخدمة اللغات الحية الأخرى، بقصد الاستفادة من تجاربها والاستئناس بخبرات واضعيها.
3 ـ ينبغي أن تراعى في هذه المؤلفات الجوانب النفسية، والتربوية، والثقافية واللغوية للمتلقي، بحيث تتناسب مع سنه، وبيئته، وخلفيته الثقافية، وقدراته العقلية، وتعمل على تنمية مهاراته بالطرق العلمية والتربوية.
4 ـ إن يستعان في إعداد المناهج والكتب المنفذة لها بنتائج الدراسات اللغوية الحديثة، وأن يُلتفت إلى المشكلات اللغوية القائمة والمتوقعة، مع الاستفادة من الدراسات والبحوث السابقة في هذا الشأن.
5 ـ إنشاء مكتبة خاصة بكتاب تعليم اللغة العربية ومنهجيته ووسائله المعينة واستراتيجياته على جميع الأصعدة، وتكليف المكتبة القومية بجمعها وتوزيع نسخ منها إلى الجهات المعنية، وإيداع كل كتاب يتضمن تجربة مماثلة في هذه المكتبة، مع تجارب الأمم الأخرى في خدمة لغاتها، وتيسير السبل لجعل هذه المكتبة مركزاً بحثياً يُطوِّر فيه المختصون أبحاثهم ودراساتهم ويرجعون إلى مصادره من أجل مستقبل أفضل وتقييم مستمر لخدمة تعليم اللغة العربية.
خامساً : إعداد مدرس اللغة العربية إعداداً علمياً وخلقياً ومهنياً جيداً وتكريمه وتشجيعه مادياً ومعنوياً حتى يعطي وينجز، وتجنى ثمار عطائه وإنجازه، وأن يمنح الرعاية الوظيفية التي تجعله قادراً على أداء واجبه في خدمة اللغة العربية وثقافتها وقيمها وحضارتها.
ويشمل الإعداد كل ما يسهم في تنمية قدراته ومهاراته ويجعله قادراً على التأثير بفاعلية في هذا المجال الحيوي، مع تمكينه من التكوين المهني حسب آخر ما وصلت إليه التقانية الحديثة في مجالات التعليم، والاتصال، والتربية، وعلم النفس، والحرص على التكوين الأصيل في علوم اللغة العربية والثقافة الإسلامية وآداب اللغة.
سادساً : ضرورة الاستعانة في تدريس اللغة العربية بالوسائل السمعية والبصرية الحديثة، لمختبرات اللغة وأجهزة الاستماع، والأشرطة المرئية، والشرائح المصورة، وأقراص الحاسوب والاستفادة من التقانات الفضائية لنشر العربية عبر برامج التعليم عن بعد، والاستفادة من تجارب الآخرين في كل هذه المجالات لمعرفة استراتيجيات التدريس ومداخله وأساليبه وتقاناته.
سابعاً : الاهتمام ببرامج تعليم العربية لغير الناطقين بها، المقروءة منها والمسموعة والمرئية، ودراسة اهتمامات غير الناطقين بها وأغراضهم من الاطلاع على اللغة والثقافة العربية الإسلامية، ومراجعة المحتوى الثقافي الذي تقدمه مناهج وكتب تعليم اللغة العربية إلى هذه الشريحة بما يغني حاجتها ويُحقق أغراضها التي لا تتعارض مع قيم الثقافة الإسلامية وأبعادها الروحية والعقدية والشرعية.
ثامناً : الاهتمام بطرق التدريس التي تركز على المتعلم وتجعله محور العملية التعليمية، وتراعي الظروف الفردية والفئات الخاصة.
تاسعاً : التوسع في نشر اللغة العربية في الدول التي كانت العربية لغتها الرسمية، مثل الدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء، والجاليات العربية في الخارج، ودعم هذا العمل بالوسائل المادية والمعنوية، بما يجعله قادراً على منافسة اللغات والثقافات الأخرى بأساليب قادرة على الصمود والتأثير.
عاشراً : إعطاء اختصاصات إضافية وفعالية أكبر لمجامع اللغة العربية وعلى رأسها اتحاد المجامع العربية، للمساهمة في رسم الخطط والاستراتيجيات التربوية والعلمية لتعليم اللغة العربية لجميع الشرائح، وربط وشائج المجامع ليحدث بينها تكامل فعَّال في هذا المضمار، وإشراك المنظمات العربية والإسلامية ذات العلاقة في تمويله، وإغنائه بالخبرات والأفكار البناءة.
حادي عشر : العمل بجدية ونشاط على نشر قرارات المجامع اللغوية العربية والمؤسسات المختصة الأخرى، على أوسع نطاق ممكن، والاستفادة في ذلك من مختلف وسائل النشر والإعلام والاتصال، وإغنائها بالبحوث والدراسات والمحاضرات والندوات، وحلقات النقاش حتى لا تظل حبيسة الجدران التي انطلقت منها، وحتى تسهم تلك القرارات في تيسير اللغة، وتطويرها، وجعلها ملبية لحاجات العصر وظروف إنسانه.
ثاني عشر : ضرورة تعيين مراجع لغوي أو مستشار لغوي متخصص في جميع المرافق التي تصدر عنها أدبيات للتداول والنشر، ومحاولة تعميم ذلك في الإدارات العامة، ويتأكد ذلك في حالة وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها.
ثالث عشر : تشجيع الكتاب العربي بجميع الوسائل، وتشجيع تكوين الجمعيات الأهلية لحماية اللغة العربية والدفاع عنها، والإشادة هنا بجمعية الدفاع عن اللغة العربية في كل من الجزائر والإمارات العربية المتحدة.
ويمكن لنا أن نقول بثقة واطمئنان، إن هذه التوصيات لدقتها وشمولها وأهميتها، يمكن اعتبارها خطة عمل لبناء مستقبل اللغة العربية، ولمواجهة تحديات العولمة التي تهدد الهوية الثقافية والحضارية للعرب والمسلمين.
إنَّ اللغة هي التي تحوّل الأفراد من جماعة بشرية إلى مجموعة ثقافية مترابطة، وكانت اللغة العربية تجمع إلى ذلك صلتها الشريفة بالعقيدة الإسلامية والتراث العربي الإسلامي. ولذلك يجب أن يكون التجانس الثقافي اللغوي هدفاً استراتيجياً للناطقين بالضاد على اختلاف أجناسهم، وحارساً أميناً على قوام الشخصية العربية المسلمة.
والواقع أن المسألة اللغوية ينبغي أن تتخطى مجال المناشدة والدعوة والطلب إلى الجهات المسؤولة للقيام بواجبها تجاه لغة الضاد، إلى استصدار قرارات مسؤولة، أو وضع تشريعات قانونية ملزمة، تقضي باعتبار الخطأ في اللغة، ليس فقط عيباً أو مسبة أو نقصاً، وإنما اعتبار ذلك خروجاً عن القانون، وهذا هو الشأن المتبع في بعض الدول الأوروبية، خاصة في فرنسا التي يٍُلزم القانون المصادق عليه في الجمعية الوطنية (البرلمان) باحترام اللغة الفرنسية والحفاظ على سلامتها ونقائها وعدم المساس بهيبتها وسمعتها.
إنَّ عدداً كبيراً من القرارات والتوصيات الخاصة بالحفاظ على اللغة العربية والحرص على استعمالها وتداولها وانتشارها، صدرت خلال السنوات الأخيرة، عن مؤتمرات ولجان وندوات ومجامع لغوية وكليات جامعية متعددة عقدت في البلدان العربية وفي بعض البلدان الإسلامية. ولكن هذه القرارات والتوصيات لم تنفذ، أو نفذ بعضها بطريقة محدودة التأثير.
ولذلك، وباعتبار أن اللغة العربية، قضية استراتيجية في المقام الأول، تمس الأمن الثقافي والحضاري للأمة، فإن المسألة، في عمقها وجوهرها، تتطلب يقظة أشمل وأعمق، وحركة أكبر وأنشط، وعملاً أكثر جديةً وفعالية، واستنفاراً للطاقات الحيّة وحشداً للجهود المخلصة، في إطارٍ من التنسيق والتكامل والتعاون، والعمل العربي المشترك على مستوى المنظمات والمؤسسات والجامعات والهيئات المختصة، من أجل توسيع نطاق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، خاصة في البلاد الأفريقية والإسلامية وفي أوساط الجاليات العربية الإسلامية في بلاد المهجر.
والأمر قبل هذا وبعده، يحتاج إلى إرادة سياسية تؤمن بالرسالة الحضارية للغة العربية، وتحمي الهوية الثقافية للأمة بحماية لسانها، ففي ذلك ترسيخٌ للكيان العربي الإسلامي الكبير، وتقويةٌ لدعائمه.
فاللغة العربية هي العروة الوثقى التي تجمع بين الشعوب العربية والشعوب الإسلامية التي شاركت في ازدهار الثقافة العربية الإسلامية. وبهذا الاعتبار، فإن الوفاق العربي والتضامن الإسلامي، لابد أن يقوما على هذا الأساس المتين، لغة القرآن الكريم، ولغة الثقافة العربية الإسلامية. ومن هنا تبدو الأهمية الكبرى لتدعيم مكانة اللغة العربية والعمل على نشرها وتعليمها لغير الناطقين بها من الشعوب الإسلامية، لأن في ذلك حمايةً للأمن الثقافي الحضاري للأمة العربية الإسلامية.
من خلال هذه الرؤية، يتأكد لنا أن اللغة العربية قضيةُ وجود، وقاعدة كيان، ودعامة النظام العربي الإسلامي الذي يستند إلى مرجعية العمل المشترك المتمثلة في جامعة الدول العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي. فهي إذن، قضية من القضايا ذات الثقل الكبير والتأثير العميق في حاضر الأمة ومستقبلها.
والحق أن دور مصر بخاصة، في مجال تجديد رسالة اللغة العربية ودعم كيانها في المجتمعات العربية الإسلامية، هو دور بالغ الأهمية، ذلك أن من شأن إصلاح اللسان العربي في مصر، عبر مؤسساتها التعليمية الرائدة ووسائل إعلامها النافذة الواسعة الانتشار، أن يُسهم الإسهام القوي المؤثر في تحسين وضع اللغة العربية في البلدان العربية والإسلامية كلّها(18).
في شهر أكتوبر الماضي، ألقيت المحاضرة الافتتاحية للموسم الجامعي الجديد، في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، تحدثت فيها حول موضوع : "اللغة العربية ووسائل الإعلام". وكان مما قدمته في هذه المحاضرة، ما أسميته بالمنهج التكاملي في التعامل مع اللغة العربية، وقوامُه أن تواكب الجهودُ التي نبذلها على مستوى مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وعلى مستويات أخرى في أقسام اللغة العربية بالجامعات العربية، التطورَ الذي تعرفه اللغة بحكم تأثير وسائل الإعلام فيها، وأن يساير هذا العمل الأكاديميّ والفني الوضعَ الحاليّ للغة العربية، فلا يرتفع عنه، ولا يستهين به، وإنما يتفهمه ويستوعبه، بحيث لا يتم خارج نطاق الواقع، وإنما يكون جزءاً من هذا الواقع، يتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً، ينتج عنه ازدهار اللغة العربية وانتشارها، والحفاظ عليها وحمايتها، وتطويرها وتجديدها.
ولهذا المنهج الذي أدعو إلى اعتماده لتجديد اللغة العربية والنهوض بها، وتأهيلها لمواكبة تحديات العولمة، أربع قواعد أوجزها فيما يلي :
أولاها : التعامل مع اللغة على أساس أنها كائن حي قابل للتطور وفق ما يقرره أبناء اللغة، أي أن تطور اللغة يأتي من إرادة الناطقين بها، ويصدر عنهم، فهم أصحاب المصلحة في هذا التطوير.
ثانيتها : إحكام العلاقة بين عملية تطوير اللغة وإصلاحها وتحسينها وتجديدها، وبين المتغيرات التي تعيشها المجتمعات العربية، بحيث تكون عملية التطوير استجابةً لتطور المجتمع، ونابعة من واقعه المعيش.
ثالثتها : الانفتاح على المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوميات وعلم اللغة الحديث بكل تفريعاته والحقول البحثية المرتبطة به، والسعي إلى الاقتباس والنقل والاستفادة الواسعة من نتائج هذه العلوم جميعاً في إغناء اللغة العربية وربطها بحركة الفكر الإنساني.
رابعتها : الاهتمام بالجانب القانــوني والتشريعي في عملية التطــوير، حرصاً على ضبـــط مساره والتحكم في نتائجه، من خلال وضع قوانين تصادق عليها الجهات الرسمية المختصة، لفرض هيبة اللغة وإلزام أفراد المجتمع والهيئات والجماعات ووسائط الإعلام باحترامها طبقاً للقانون. أسوة بما هو عليه الأمر في بعض الدول الغربية، ومنها فرنسا على سبيل المثال.
إنََّّ الطريق نحو تقوية اللغة العربية وتحصينها، يمرُّ عبر تنفيذ مثل هذه التوصيات التي تعبّر عن الإرادة الجماعية للنخب الفكرية والعلمية والثقافية التي تمتلك إلى العلم والمعرفة، الغيرةَ والحماسة وإرادة العمل. ذلك أن مواجهة الأخطار الناتجة عن تحديات العولمة والمهددة للهوية الثقافية والحضارية، لا تتمّ إلاّ بالعمل الملموس انطلاقاً من الواقع، وبأدوات العصر، وبالوسائل التي تتيح للغيورين على اللغة والقائمين على تطويرها والمهتمين المسؤولين عن حمايتها والحفاظ على خصوصياتها، أن يستوعبوا المتغيرات في مجالات العلوم والتقانة والمعلوميات وشتى حقول المعرفة، ليواصلوا تطوير اللغة وتحديثها لمسايرة العصر ولمواجهة العولمة.
فاللَّغة هي أهمّ الروابط المعنوية التي تربط الفرد بغيره، لأنّها واسطة التفاهم بين الناس، وآلة التفكير عند الفرد، وواسطة نقل الأفكار والمكتسبات من الآباء إلى الأبناء، ومن الأسلاف إلى الأخلاف. وإذا كانت الأمة التي تنسى تاريخها تكون قد فقدت شعورها وأصبحت في حالة سبات، تستطيع أن تستعيد وعيها بالعودة إلى تاريخها، فإن الأمة إذا فقدت لغتها تكون عندئذ قد فقدت الحياة(19). ولا مستقبل لأمة فرطت في لغتها، وليس في المستطاع مواجهة تحديات العولمة بلغة لا تتوافر لها شروط المواجهة.
الموضوع : رؤية لاستشراف المستقبل المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs