إنَّ التفاعل بين العلم والتقانة وبين العناصر الثقافية والتعليمية والحضارية والاجتماعية، هو تفاعل قائم وملموس، كما أن ارتباط سياسة العلم والتقانة بالسياسة الثقافية هو بدوره ارتباط وثيق وملموس. وهذا ما ينفي الدور الحيادي للعلم والتقانة، لأن المعرفة العلمية والتقانية للبنية الطبيعية والإنسان والمجتمع، تساعد على بلوغ الأهداف الوطنية المحددة داخل خطط التنمية الوطنية(12). ولذلك تتفاعل اللغة العربية والتقانة والتنمية والعناصر الثقافية للأمة.
ونخلص من ذلك إلى التأكيد على حتمية استعمال اللغة العربية كأداة لتبليغ التقانة لتأمين مستقبل لغتنا، ولتأهيلها لتتبوأ المكانة اللائقة بها بين اللغات الحية. وينبغي أن لا نغفل حقيقة أخرى ستساعد ولاشك اللغة العربية على احتلال هذه المكانة في المستقبل، وهذه الحقيقة تتجلى في كون اللغة العربية في حاجة إلى مسايرة العصر، حتى تعبر عن فكر عصري، وتساهم في خلق هذا الفكر العصري. وعلى هذا الأساس، فنحن مدعوون إلى تذليل كل الصعوبات التي تقف في طريق اللغة العربية، سواء أكانت صعوبات جوهرية يُتغلَّب عليها بإعادة النظر في قواعدها، أم صعوباتٍ أساساًَ متعلقة بتطوير الكتابة والشكل والطباعة(13).
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت ولا تزال تبذل في مجال تطعيم اللغة العربية وتوطين العلم والتقانة في البلاد العربية، فإن مما يسجل بكثير من الأسف أن اللغة العربية لم تحظ في مجال الاصطلاح المعلومياتي ــ TERMINOTIQUE ــ وتصميم قواعد المعطيات وتدبيرها، بكثير من الاهتمام، فهي لم تطور أنظمة خبيرة لتمثيل الوحدات الاصطلاحية، ولم تحدث بعدُ برمجيات حديثة لتمثيل المعارف وطرق استغلالها. كما أنها لم تستوعب، لحد الآن، التطورات الحديثة التي يعرفها موضوع هندسة المعارف وأساليب تمثيلها. وهو ما يفسر أن قواعد المعطيات الاصطلاحية العربية الموجودة، على قلتها وندرة المعلومات حولها، لم تتجاوز الصيغة البسيطة لتمثيل الوحدات الاصطلاحية التي تجعل من المصطلح والمفهوم والحدّ، ذواتاً مستقلة لا رابط بينها(14).
إنَّ العلم يرتكز على اللغة كوسيلة اتصال، وإننا نوسّع اللغةَ إذْ نوسّع المعرفة العلمية(15) ولغة العلم هي لغة تواصل، كما أنها أداة تصوّر العالم أيضا،ً وتعطي الصورة العلمية للعالم. ومن ثم فإن اتساع اللغة رهن باتساع النشاط المعرفي العلمي في المجتمع بعامة، هذا وإلاّ ظلت لغة العلم، كما يقول الباحث شوقي جلال، نوعاً من الميتافيزيقا بالنسبة للمجتمع(16).
وممّا لاشك فيه أن ازدهار اللغة العربية في هذا العصر، وفي كل العصور، مرهون بازدهار العلوم والتقانة، حتى تصيح العربية لغة البحث العلمي في هذه الحقول جميعاً. فاللغة تنمو وتتطور وتزدهر بنمو الأمة التي تنتمي إليها والناطقة بها وبتطورها وبازدهارها.
الموضوع : لغة العلم والتقانة المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs