ن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها.
ومن الشاهد على هذا قوله-تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة: 228.
فجعلت الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل؛ وإذا كان أمر الأسرة لا يستقيم إلا برئيس يدبره فأحقهم بالرياسة هو الرجل الذي شأنه الإنفاق عليها، والقدرة على دفاع الأذى عنها.
وهذا ما استحق به الدرجة المشار إليها في قوله-تعالى-: وللرجال عليهن درجة وقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) النساء: 34.
بل إن الله-عز وجل-قد اختص الرجل بخصائص عديدة تؤهله للقيام بهذه المهمة الجليلة.
ومن تلك الخصائص ما يلي:
أ- أنه جُعل أصلها، وجعلت المرأة فرعه، كما قال-تعالى-: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) النساء: 1.
ب- أنها خلقت من ضلعه الأعوج، كما جاء في قوله-عليه الصلاة والسلام-: (استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج؛ استوصوا بالنساء خيراً).
ج- أن المرأة ناقصة عقل ودين، كما قال-عليه الصلاة والسلام-: (ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن).
قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: (أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين).
فلا يمكن-والحالة هذه-أن تستقل بالتدبير والتصرف.
د- نقص قوَّتها، فلا تقاتل ولا يُسهَم لها.
هـ- ما يعتري المرأة من العوارض الطبيعية من حمل وولادة، وحيض ونفاس، فيشغلها عن مهمة القوامة الشاقة.
و- أنها على النصف من الرجل في الشهادة-كما مر-وفي الدية، والميراث، والعقيقة، والعتق.
هذه بعض الخصائص التي يتميز بها الرجل عن المرأة.
قال الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-: (ولا ينازع في تفضيل اللهِ الرجلَ على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو مكابر؛ فهو أكبر دماغاً، وأوسع عقلاً، وأعظم استعداداً للعلوم، وأقدر على مختلف الأعمال).
وبعد أن استبان لنا عظم شأن القوامة، وأنها أمر يأمر به الشرع، وتقره الفطرة السوية، والعقول السليمة-فهذا ذكر لبعض ما قاله بعض الغربيين من الكتاب وغيرهم في شأن القوامة؛ وذلك من باب الاستئناس؛ لأن نفراً من بني جلدتنا لا يقع الدليل موقعه عندهم إلا إذا صدر من مشكاة الغرب.
أ- تقول جليندا جاكسون حاملة الأوسكار التي منحتها ملكة بريطانيا وساماً من أعلى أوسمة الدولة، والتي حصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية، وجائزة مهرجان مونتريال العالمي تقول: (إن الفطرة جعلت الرجل هو الأقوى والمسيطر بناءً على ما يتمتع به من أسباب القوة تجعله في المقام الأول بما خصه الله به من قوة في تحريك الحياة، واستخراج خيراتها، إنه مقام الذاتية عند الرجل التي تؤهله تلقائياً لمواجهة أعباء الحياة وإنمائها، واطراد ذلك في المجالات الحياتية).
ب- الزعيمة النسائية الأمريكية (فليش شلافي) دعت المرأة إلى وجوب الاهتمام بالزوج والأولاد قبل الاهتمام بالوظيفة، وبوجوب أن يكون الزوج هو رب الأسرة وقائد دفتها.
ج- وفي كتاب صدر أخيراً عن حياة الكاتبة الإنجليزية المشهورة (أجاثا كريستي) ورد فيه قولها: (إن المرأة الحديثة مُغَفَّلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؛ فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق؛ لأننا بذلنا الجهد خلال السنين الماضية؛ للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل.
والرجال ليسوا أغبياء؛ فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج.
ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف الضعيف أننا نعود اليوم لنساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده).
د- وتقول طبيبة نفسية أمريكية: (أيما امرأة قالت: أنا واثقة بنفسي، وخرجت دون رقيب أو حسيب فهي تقتل نفسها وعفتها).
هذا ما يقول العقلاء من أولئك القوم، فماذا يقول العلم الحديث في ذلك الشأن؟
لقد أثبت العلم الحديث أخيراً وَهْمَ محاولات المساواة بين الرجل والمرأة، وأن المرأة لا يمكن أن تقوم بالدور الذي يقوم به الرجل؛ فقد أثبت الطبيب (د.روجرز سبراي) الحائز على جائزة نوبل في الطب-وجود اختلافات بين مخ الرجل ومخ المرأة، الأمر الذي لا يمكن معه إحداث مساواة في المشاعر وردود الأفعال، والقيام بنفس الأدوار.
وقد أجرى طبيب الأعصاب في جامعة (بيل) الأمريكية بحثاً طريفاً رصد خلاله حركة المخ في الرجال والنساء عند كتابة موضوع معين أو حل مشكلة معينة، فوجد أن الرجال بصفة عامة يستعملون الجانب الأيسر من المخ، أما المرأة فتستعمل الجانبين معاً.
وفي هذا دليل-كما يقول أستاذ جامعة بيل-أن نصْفَ مُخِّ الرجل يقوم بعمل لا يقدر عليه مُخُّ المرأة إلا بشطريه.
وهذا يؤكد أن قدرات الرجل أكبر من قدرات المرأة في التفكير، وحل المشكلات.
وهذا ما اكتشفه البروفيسور ريتشارد لين من القسم السيكيولوجي في جامعة ألستر البريطانية حيث يقول: (إن عدداً من الدراسات أظهرت أن وزن دماغ الرجل يفوق مثيله النسائي بحوالي أربع أوقيات).
وأضاف لين: (أنه يجب الإقرار بالواقع، وهو أن دماغ الذكور أكبر حجماً من دماغ الإناث، وأن هذا الحجم مرتبط بالذكاء).
وقال: (إن أفضلية الذكاء عند الذكور تشرح أسباب حصول الرجال في بريطانيا على ضعفي ما تحصل عليه النساء من علامات الدرجة الأولى).
وسواء صح ما قالوه أم لم يصح فإن الله-سبحانه-أخبرنا في كتابه بالاختلاف بين الجنسين على وجه العموم فقال-عز وجل-: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) آل عمران: 36.
فكل ميسر لما خلق له، وكل يعمل على شاكلته.
ولا يفهم من خلال ما مضى أن ضعف المرأة ونقصها الخلْقي يعد من مساوئها بل هو من أعظم محاسنها.
قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله-: (ألا ترى أن الضعف الخِلْقيَّ والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب.
قال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحين قتلانا
يَصْرَعْن ذا اللب حتى لا حراك به *** وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال ابن الدمينة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له *** ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذرْ عُذْرَ البريء ولم تزل *** به سكتة حتى يقال مريب
فالأول تشبيب بهن بضعف أركانهن، والثاني بعجزهن عن الإبانة في الخصام كما قال-تعالى-: (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف: 18.
ولهذا التباين في الكمال والقوة بين النوعين صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (اللعن على من تشبه منهما بالآخر).
وقال-رحمه الله-بعد أن ذكر بعض الأدلة على فضيلة الذكر على الأنثى: (فإذا عرفت من هذه أن الأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي-فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته؛ ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر).
ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أباح للرجل أن يعدد، فيتزوج بأكثر من واحدة، فأباح له أن يتزوج اثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، ولا يزيد عن أربع بشرط أن يعدل بينهن في النفقة، والكسوة، والمبيت، وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن في التعدد حكماً عظيمة، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام، ويجهلون الحكمة من تشريعاته، ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد مايلي:
1- أن الإسلام حرم الزنا، وشدَّد في تحريمه؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد، والتي منها: اختلاط الأنساب، وقتل الحياء، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف حده عندها، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها.
ومن أضرار الزنا: أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا؛ حيث يعيش مقطوع النسب، محتقراً ذليلاً.
ومن أضراره: ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان، والزهري، والهربس، والإيدز، وغيرها.
والإسلام حين حرَّم الزنا وشدَّد في تحريمه فتح باباً مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة، والسكن، والطمأنينة ألا وهو الزواج، حيث شرع الزواج، وأباح التعدد فيه كما مضى.
ولا ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك في أيام الحروب؛ فَقَصْر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل.
2- أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب: بل فيه الراحة، والسكن، وفيه-أيضاً-نعمة الولد، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه؛ فإذا رزقت المرأة أولاداً، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها؛ فأيهما أحسن للمرأة: أن تنعم في ظل رجل يحميها، ويحوطها، ويرعاها، وترزق بسببه الأولاد الذين إذا أحسنت تربيتهم وصلحوا كانوا قرة عين لها؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك؟ !.
3- أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة: فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل، والنظرة العادلة تقول بأنه لابد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك؛ فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا يُنظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج؟.
أيهما أفضل للمرأة: أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى، فتطمئن نفسها، ويهدأ بالها، وتجد من يرعاها، وترزق بسببه الأولاد، أو أن تقعد بلا زواج البتة؟.
وأيهما أفضل للمجتمعات: أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة؟ أو ألا يعدد أحد، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد؟.
وأيهما أفضل: أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع؟ أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات، أو أكثر أو أقل؟.
4- أن التعدد ليس واجباً: فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون؛ فطالما أن المرأة تكفيه، أو أنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5- أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل: وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام، أو أسبوعين كل شهر.
وفي النفاس مانع-أيضاً-والغالب فيه أنه أربعون يوماً، والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً، لما فيها من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر، والعام؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى سلوك غير مشروع.
6- قد تكون الزوجة عقيماً لا تلد: فيُحْرَمُ الزوج من نعمة الولد، فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال: وإذا كان الزوج عقيماً والزوجة ولوداً؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟.
والجواب: نعم فلها ذلك إن أرادت.
7- قد تمرض الزوجة مرضاً مزمناً: كالشلل وغيره، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج؛ فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى.
8- قد يكون سلوك الزوجة سيئاً: فقد تكون شرسة، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها؛ فبدلاً من تطليقها يبقي الزوج عليها، ويتزوج بأخرى؛ وفاء للزوجة، وحفظاً لحق أهلها، وحرصاً على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9- أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة: فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين، أو تزيد عليها قليلاً؛ فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10- أن في الزواج من ثانية راحة للأولى: فالزوجة الأولى ترتاح قليلاً أو كثيراً من أعباء الزوجية؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من أعباء الزوج.
ولهذا، فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11- التماس الأجر: فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها، ولا راع، فيتزوجها بنيَّة إعفافها، ورعايتها، فينال الأجر من الله بذلك.
12- أن الذي أباح التعدد هو الله-عز وجل-: فهو أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام، وشمول نظرته في إباحة التعدد، ويتبين لنا جهل من يطعنون في تشريعاته.
الموضوع : ومن صور تكريم الإسلام للمرأة3 المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs