في خضم محاولات الهجوم على الثقافة العربية والإسلامية، ينادي الكثيرون بتطبيق بنود بكين، واعتبروا أن عدم تطبيقها يمثل استمرارا في التعامل بعنف مع المرأة. فلننظر هل اجتثَّ العنف في المجتمعات التي اعتنقت عقيدة مختلفة وتبنت بنود بيكن والسيداو... وسواها.
الضرب منتوج الحضارة الحديثة
في الوقت الذي يسعى الغرب لتلميع صورة المرأة الغربية إلى حد كبير، وإبراز الوضع السيئ للمرأة في الإسلام والتكفل بالدفاع عنها، قليلا ما نتساءل عن المعاملة المألوفة التي تتلقاها المرأة في البلدان الغربية. ولا عن كيف ولماذا يفرغ الرجال في أكبر حضارة طاقاتهم السادية ويمارسون سيادة لا حدود لها على الزوجات والأخذان والرفيقات. ولا نتساءل إلا نادرا عن أسطورة الفارس المغوار الخدوم المرسومة في المخيال الشعبي وعما إذا كان الرجال الغربيون يستحقون أوسمة الشرف في مجال معاملتهم لزوجاتهم وعموما لشريكاتهم ورفيقاتهم؟
نسب مهولة للعنف في أكثر المجتمعات تحضرا
والحقيقة أن المظاهر كثيرا ما تكون مضلله كما جاءت على لسان عدد من الباحثين الغربيين المرموقين. وفي الوقت الذي يحاول باحثون آخرون اعتبار العنف محصورا في الآخر وفي الجاليات المقيمة على التراب الأوربي أو الأمريكي، تبين تقارير كثيرة أن الملايين من المنتمين للمجتمع المتحضر ومن أصول غربية خالصة يعيشون حياة الجحيم والرعب داخل البيوت. وتبين الإحصائيات أن العنف الممارس من قبل الذكور على الإناث هو السبب الرئيسي للوفيات والعجز، ويأتي في الترتيب قبل حوادث الطرق وأمراض السرطان... ؛
* ففي كندا، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ثلث جرائم القتل قَتَل فيها الأزواج زوجاتهم وأن 18% من حالات الطوارئ التي تدخل المستشفيات هي لزوجات تعرضن للضرب ، وأن 60% من الرجال يمارسون العنف و 66% من العائلات تتعرض كلها للعنف .
* وفي الولايات المتحدة يعتبر الضرب والعنف الجسدي السبب الرئيسي في الإصابات البليغة للنساء. ويصل العنف الأسري ضد المرأة نسبة عالية لدرجة يوصف معها بالوباء الذي يهدد البيوت والمجتمع كافة: فحوالي ثلث الأمريكيات يتعرضن للضرب المبرح والاعتداء الجسدي؛ وحوالي 5.745 امرأة تعرضن للقتل العمد نتيجة العنف المنـزلي. وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 40.000 امرأة قتلن من قبل أزواجهن أو أصدقائهن منذ بداية العقد الماضي؛ وتصل نسبة النساء اللاتي تعرضن للإيذاء من قبل شركائهن أو أزواجهن (وجله يتم أمام الأبناء) ما بين 20% إلى 40%، ليصل مجمل عددهن إلى حوالي 4,4 ملايين ، بمعدل امرأة في كل 15 ثانية... ولا ينجو من التعنيف حتى النساء الحوامل حيث تصل نسبة الاعتداء والعنف عليهن 8 % إلى 16%، دون مراعاة لظروفهن الجسدية والنفسية الصعبة.
وأما الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العنف الأسري فباهظة (عشرة ملايير $ سنويا كمقابل لنفقات العلاج والشرطة والتقاضي والمأوى والرعاية والتغيب عن العمل وتراجع المردودية...).
* في بريطانيا تفيد التقارير أن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك وأن وتيرة العنف الأسري تزيد بمعدل 46% سنويا، وأن 28% من النساء تعرضن لهجوم من أزواجهن العنيف؛ وأنه في %77 من الحالات لا يكون للزوج أي مبرر للضرب...
* وفي فرنسا 95% من ضحايا العنف هن من النساء، 51% منهن نتيجة تعرضهن للضرب من قبل أزواجهن أو أصدقائهن، بحيث تتعرض سنويا أزيد من مليونين اثنين من الـزوجات للضرب والتنكيل وكل أشكال المضايقات والتكدير؛ يموت منهن أكثر من 400، بمعدل يفوق امرأة واحدة في اليوم. وتقول الشرطة أن هذا حال ما يقارب 10% من العائلات الفرنسية... وفيما بين عامي 1990 و1999 وفي منطقة باريس لوحدها، قُتل حوالي 652 امرأة، نصف القتيلات لقين حتفهن على يد الزوج أو الرفيق. وفي بحث أجري سنة 2004 على حوالي 7.000 امرأة من باريس، تبين أن 10 % منهن تعرضن للعنف المنـزلي المتكرر...
* وفي إيطاليا تتعرض امرأة من كل عشر نساء للضرب المبرح الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى غرف العناية المكثفة والاستشفاء...
* وفي تركيا يتعرض 60% من النساء للعنف أو الضرب أو الإهانة أو الإذلال، على أيدي رجال من داخل أسرهن (الزوج، الخطيب، الصديق، الأب، والد الزوج...)، 25% منهن فقط يبادرن للدفاع عن أنفسهن بعنف مماثل، و10% منهن يتركن المنزل احتجاجاً، و 70% منهن يرفضن الطلاق مع ذلك صونا لمستقبل أبنائهن...
* وفي الهند، 8 نساء من بين كل 10 نساء يتعرضن للعنف الأسري أو القتل؛
* وفي البيرو، 70% من الجرائم المسجلة لدى الشرطة هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن...
وهكذا في جل الدول المتقدمة كما النامية. والغريب أن هذه الظواهر تزيد استشراء، على الرغم من تزايد القوانين الرادعة ورفع قسوة العقوبات .
العنف يمارس لدى الفئات الاجتماعية المحظوظة أيضا
تساءل عدد من الباحثين عن حق: قبل الانكباب على مشاكل المرأة الشرقية أليس أجدر معرفة وضع المرأة الفرنسية؟ سيما وأن عينة الرجال الذين يمارسون العنف على شريكاتهم ليست واحدة وليست صورة ذلك الرجل التي نرسمها في خيالنا. إذ بينت التقارير أن الرجال الذين يملكون السلطة في عملهم يستغلون هذا الامتياز لاستباحة أجساد شريكاتهم.
وإن النسب الموالية غاية في الغرابة: فمن بين ممارسي العنف الأسري، 67% هم من مهنيي الصحة و27 % من الأمن أو الجيش... وباختصار، فالذين يسهرون على ضمان الأمن العام هم أول من يخرقه داخل بيته الأسري، والذين يراقبون ويفرضون احترام القوانين على الآخرين هم أول من يخرقونها داخل أسرهم... وبحسب نفس التقرير فالقتل يتم بالطعن بآلة حادة (30 ٪) أو بالأسلحة الناريه (30 ٪) أو الخنق (20 ٪) أو الضرب حتى الموت (10 ٪) .
ويخلص المتتبعون لحالات المعنَّفات أن من لا تموت جراء الضربات الوحشية تبادر للانتحار أو التكتم حتى تسقط فريسة اضطرابات نفسية أو عقليه أو عاطفيه (اكتئاب، شراهة Boulimie ، فقدان الشهيه...). بحيث تبلغ نسبة من حاولن الانتحار أو التفكير من المعنفات الأمريكيات زهاء 40,5% مقارنة بحوالي %4,6 من النساء العاديات، وحوالي 29% منهن احتجن إلى علاج طبي، حوالي 33% اضطررن إلى اللجوء إلى مساكن الإيواء الخاصة بالنساء ضحايا العنف الأسري، وحوالي 77% منهن لجأن إلى مستشفيات أو عيادات نفسية.
ولا غرابة في أن يستشري العنف الأسري إلى هذا الحد في دول متحضرة، فالإنتاج الأدبي والفني يعبر عن هذا الواقع، بل ويكرسه، بل ويشجعه. فمن الأمثال والمأثورات -ليس الشعبية فقط بل والأدبية- الكثيرة التردد والتي تكرس ضرب النساء مقولة الأديب الفرنسي الكسندر دوما Alexandre Dumas: "المرأة الفرنسية كشرائح اللحم كلما ضربتها أكثر ازدادت رقة وليونة" وهو نفسه القائل:"لا تخدعك دموع المرأة، فقد دربت عينيها على البكاء" ...
\
والاغتصاب؟
وفي نموذج آخر للعنف وهو الاغتصاب، فإن الأرقام تتحدث من تلقاء نفسها. ولضيق المجال نكتفي ببعض النماذج المختصرة فقط: إذ أن 91 % من المدانين هم من أصل فرنسي (لا مهاجرين) ينتمي 16,8 % منهم للمهن الطبية وشبه الطبية و13,1 % للتعليم والعناية بالطفولة المبكرة و14,8 % يتولون مسؤوليات إشرافية (رئيس تنفيذي، مهندس، فني، رئيس نقابه المحامين، مقاول...)، 12,7 % يمارسون مهنا على صلة بالتجارة والقانون والنظام العام، (شرطة، وشرطة عسكرية، ملحق برلماني...).
وبَيَّنَتِ دراسات عدة أن نسبة استخدام العنف لممارسة الجنس على الأمريكيات تشكل 14%، وتصل النسبة بين الطالبات الجامعيات 7,6%؛ بينما بلغت النسبة لدى المراهقات 25%.
الأرقام على هولها لا تعكس الوضع بدقة
ورغم هول الأرقام الواردة في التقارير، يجزم الباحثون أنها بعيدة عن إبراز الوجه الحقيقي للعنف الأسري في الدول الغربية، لأن فئات عريضة في المجتمع تختار التكتم بسبب الخوف من الانتقام أو الخجل أو نقص الشجاعة وبسبب عدم كفاية الأدلة والعوائق الاجتماعية والقانونية... من ثم، يصعب الحصول على بيانات أو أرقام دقيقة عن العنف المنـزلي. لأجل ذلك يُكتَفَى بأرقام تُجمع من دراسات ضئيلة تعتمد عينات محدودة. وهي لذلك لا تعطي إلا صورة مصغرة عن العنف الموجه ضد المرأة، ولكنها مع ذلك تجزم قطعا بأن العنف الأسري ظاهرة مستحكمة وأن ضحيته الأولى هي المرأة.
وتخلص التقارير إلى أنه، في فرنسا مثلا تموت يوميا مئات النساء جراء عنف أزواجهن دون أن يجرؤون على الشكوى، ليفلت بذلك عدد هائل من المسيئين لأسرهم من العقاب. فيما جهات عديدة من المجتمع تسعى لتلميع الصورة وتصدير الظاهرة إلى الخارج، ليقع الاختيار، لاعتبارات كثيرة، على المرأة المسلمة بشكل أساسي بصفتها أكثر من يعاني من العنف الأسري.
العنف والحياة الحضرية أية صلة؟
وفيما يتعلق بالعنف المنـزلي والعنف ضد المرأة بخاصة، يأتي المزارعون في أسفل الترتيب، بما يثبت أن القرويين أكثر تحضرا من حملة الشهادات ومتحملي المسؤوليات الكبرى في الدولة. فبحسب شرطة النجدة في باريس: 92,7% من تعنيف الأزواج تقع في المدن ...
ولنا كل الحق أن نتساءل عما إذا لم يكن للحياة الحضرية ونمط العيش في المدن أثر كبير في انتشار العنف الأسْري وإذا لم يكن له تأثير على أعصاب وسلوك الساكنة، لدرجة الانحدار إلى مستوى أقل من البهيمي فأحرى البدائي، وإلى سادية لا تُشْبَعْ إلا بتعذيب أعز الناس كلما أغلق الباب ووجد الأكثر عنفا من الزوجين نفسه وجها لوجه أمام مخلوق مغلوب على أمره.
بالمقابل، فالعنف الأسري (ضرب الزوجات) لا يشكل ظاهرة بالمعنى الدرامي الذي الذي يحاول البعض إقناعنا به. من ثم، فعوض الاستمرار، بتعنت، في إلصاق العنف بالإسلام والتكلُّف في ذلك، يجبل البحث عن الأسباب الحقيقة !
الموضوع : ضرب المرأة ظاهرة عالمية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs