إن تشريعات البلاد الإسلامية تكاد تجمع على عدم السماح للزوج بتأديب زوجته بنفسه. وليس في منحى هذه التشريعات أي خروج عن الشريعة الإسلامية، كما يعتقد من يوقِّعون على بياض للزوج بضرب زوجته. بل رأينا أنه إذا اعتمد التفسير السليم وقوبلت آية النشوز بآيات أخرى كثيرة، نخلص إلى أن الشريعة السماوية الوحيدة التي عالجت هذا الموضوع وحسمت فيه، بشكل واضح وصارم، باستقباح كل سلوك عنيف هي الشريعة الإسلامية.
على هذا، فالنشوز والضرب يفتحان الباب أمام إحدى الدعاوى التالية:
فالزوجة التي تتعرض للضرب من زوجها تعتبر معتدىً عليها، وتستطيع أن تواجه العدوان بإحدى دعويين: دعوى جنائية من أجل تأديب الزوج ودعوى مدنية من أجل وضع حد للعلاقة الزواجية تماما.
وفي حالة زنى الزوجة، لا يمكن معاقبتها إلا طبقا لما يقضي به القانون والشريعة (اللعان)
1- مسلك الدعوى الجنائية: تقديم شكاية: فالقانون الجنائي المغربي، على شاكلة تشريعات جنائية لعديد من الدول، لا يفرق بين ضرب وجرح ممارسين من قبل الزوج أو سواه، وإنما يعاقب، من دون ميز، كل من ألحق أذىً بالغير أكان هذا الغير الزوجة أو شخص آخر. ولا يتضمن القانون الجنائي المغربي أي فعل مبرر اسمه تأديب الزوجة. وبحسب القانون الجنائي المصري، فإن اعتداء الزوج على زوجته أو الزوجة على زوجها وإلحاق عاهة يعتبر جنحة معاقبة جنائيا.
ورغم وضوح النص القانوني فالقضاء المعاصر، في الدول الإسلامية، يتردد بين ما رسخ في الأذهان وفي التقاليد من حق الزوج المطْلَقِ في تأديب زوجته ولو بالضرب المبرح ولو من دون سبب يبرر رد فعله، وبين متذبذب بين مواقف متنوعة. والغريب أن القضاء القديم كان أكثر إنصافا مما هو عليه الأمر حاليا.
إذ يتبين من خلال أعمال الفقه والقضاء القديمين، أنهما خَوَّلا القاضي حق زجر الزوج المضر بزوجته وتوقيع العقاب (التعازير) عليه إن اقتضى الحال، لتأديبه، بحسب ما يبدو للقاضي متناسبا مع مقدار إساءته (كالتأديب والقصاص، والحبس…) وما التطليق إلا نوع واحد من الجزاءات التي يحكم بها القاضي، إن لم يجد بُداً منه، متى تأكد له إصرار الزوج وعدم توبته أو استعصاء المصالحة وفي موضوع إضرار الزوج بزوجته يقول الفقيه المالكي ابن عاصم في تحفته الشهيرة:
ويجزُر القضاءُ بما يشاءُ وبالطلاق إن يعد قضاؤه
ففوق التفرقة بين الزوجين، إذا ثبت إذناب الزوج المعتدي على زوجته، وجب إنفاذ إحدى العقوبات المقررة شرعا بحقه: ويجزُر القضاءُ بما يشاءُ.
2- مسلك الدعوى المدنية: طلب التطليق للضرر:
على نهج جل المذاهب الإسلامية، أجازت مدونة الأسرة المغربية، في صغتها القديمة والحالية، للزوجة التي يضر بها زوجها بأي شكل من أشكال الضرر المادي (تعنيف...) أو معنوي بما يمس كرامتها أن ترفع أمرها للقضاء من أجل وضع حدا للحياة الزواجية . وهو نفس موقف القانون المصري وقوانين أخرى كثيرة استلهمت هذا الموقف من الشريعة الإسلامية ومن مواقف فقهاء المذاهب.
ويجزُر القضاءُ بما يشاءُ وبالطلاق إن يعد قضاؤه
فالملاحظ أن العمل القضائي المعتمِد على "المساطر" المالكية كان يسهل كثيرا أمر التفريق بين الزوجين إذا تبدد الود ولم تعد الزوجة تطيق الإقامة مع زوجها. وذلك ضدا على ما يجري به العمل القضائي في عدد من البلدان الإسلامية من تسويف وإطالة لا تجني منها الأسرة شيئا يذكر.
3- مسلك اللعان:
واللعان، لغة، مشتق من اللعن وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، لأن كل واحد يلعن نفسه إن كان كاذباً. واصطلاحا، هو شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة بلعن وغضب.
كيفية اللعان: هي مسطرة خاصة يتوجه فيها الزوج إلى القاضي فيقول: أشهد بالله لقد زنت زوجتي. ثم يقول في الخامسة: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثم تَشْهَدَ هي أربع مرات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فيما رماها إياه من الزنى، ثم تقول في الخامسة: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
للعان أصـل في الكتاب والسنة والإجماع: قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (سورة النور (6)، آية 9).
ومن السنة: كان رسول الله (ص) وسط الناس فقال رجل (عويمر) يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله (ص): "قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها". فتلاعنا، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله (ص) رواه البخاري.
عن عبد الله ابن عمر (ض) قال : إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله (ص) فلما كان من الغد أتى رسول الله (ص) فسأله فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم" هذه الآيات فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله (ص) فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله (ص) "مَـهٍّ فأبت فلعنت فلما أدبرا قال: "لعلها أن تجيء به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا" رواه مسلم.
شروط اللعان:
▪ أن يصدر من الزوجين بنفسيهما لا عن الغير؛
▪ أن يكون الزوجان بالغين عاقلين؛
▪ أن يقذفها بالزنى صراحة؛
▪ أن تكذب الزوجة ادعاء الزوج؛
▪ أن يكون اللعان بألفاظه الواردة في القرآن؛
▪ أن يكون بحضرة القاضي...
أحكام اللعان ونتائجه
إذا تم اللعان بالشكل الشرعي ترتب عن ذلك ما يلي:
* سقوط الحد عن الزوجة إذا كانت محصنة (والتعزير إن لم تكن محصنة)؛
* التفريق النهائي البائن بين الزوجين المتلاعنين؛
* التحريم المؤبد ولو تراجع الزوج عن اتهام زوجته؛
ونلاحظ كيف أن الشرع أحاط المرأة والزوجة حتى المذنبة بكل الضمانات الشرعية التي تحفظ حياتها وحقها في محاكمة عادلة يشرف عليها جهاز رسمي يحقق ويسهر على تحقيق تلك الضمانات.
رغم كل الذي قلناه عن الشريعة الإسلامية ومقدار حمايتها للمرأة من العنف داخل البيت الأسْري وخارجه، تتعالى الاتهامات من جهات مختلفة مسلمة وغير مسلمة تجعل العنف رديفا للإسلام وتضع المرأة المسلمة في خانة النساء المستضعفات الخاضعات لتحكم الرجال في شؤونهن كلها والممارسين لكل أشكال التعنيف عليهن من دون قيد ولا رقيب. فهل صحيح أن المرأة المسلمة وحدها التي تعاني أم أن العنف الأسْري والعنف عموما ظاهرةٌ عالمية أو بالأحرى نتاجٌ للحضارة المعاصرة؟
إن الجواب الموضوعي يقتضي منا إلقاء نظرة ولو موجزة على ظاهرة تعنيف النساء في العالم. لكن بما أننا لا نستطيع مجاراة واقع كل الدول والمجتمعات سنقتصر على بعض النماذج. ولعل بعض النماذج أكثر دلالة من أخرى، لذلك فاختيارنا لن يكون عفويا أو اعتباطيا:
الموضوع : الجزاء في حالة ممارسة الضرب من الزوج في تشريعات الدول الإسلامية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs