قائمة على تطبيق نظرية المدرسة الاقصائية التى جاء بها صموئيل هانتنغتون فى )صراع الحضارات( . فالحضارة هى مخزون انسانى تستمد منه الامم فكرها وتقاليدها وتستند اليه الشعوب فى قيمها وسلوكياتها , وهى تعبير انسانى يتميز بالرقى ويتصف بنبل الغاية وسلامة المقصد . والاصل فى العلاقات بين البشر هو التواصل والتكامل بل الاندماج , لذلك ظهرت المجتمعات الانسانية وحضارتها , ومضت الحياة بينها بالتعاون المتبادل بل والتوافق المشترك . وينقسم العالم الحالى الى حضارات انسانية متعددة , وهذا التنوع الثقافى والحضارى عامل محورى فى اغناء تطور وتقدم الانسانية , وعلى البشرية ضرورة تفعيل الحوار البناء بين مختلف هذه الحضارات , والتعايش السلمى بين الحضارات المحلية والاقلينية والدولية , وخلق جو مناسب للحوار بينها . فالحضارة يمكن تعريفها بأعتبارها اسمى واعلى تجسيد ثقافى لجماعة من الناس , واوسع تمثيل لهويتهم الثقافية , وهى مجموع المفاهيم عن الحياة , وتكون خاصة حسب مفهوم ووجهة نظر اى طرف . ومن هنا قيل حضارة اسلامية , وحضارة غربية ففى الحضارة الاسلامية كعقيدة روحية نابعة من الشريعة الاسلامية , تراعى القيم الروحية والاخلاقية , والانسانية والمادية , بينما الحضارة الغربية هى عبارة عن فصل الدين عن الحياة , والنفعية كمقياس اعمال , والسعادة بمعنى المتعة الجسدية . والتركيز على القيم المادية فقط . وشعوب الحضارة الغربية يحملون قدرا كبيرا من العناصر الثقافية المشتركة تميزهم عن الحضارات الاخرى )الحضارة لاسلامية مثلا( لكن وان كان الدين يعد احد اهم مقومات الحضارة الى جانب عناصر اخرى )القيم المشتركة , وسبل التفكير( الا انه هناك مفارقات وتمايزات على مستوى الحضارة الغربية الواحدة . والحضارة الاسلامية اما الثقافة فهى المعرفة التى تؤخذ عن طريق الاخبار والتلقى والاستنباط , مثل الدين والتاريخ والفلسفة والفنون والموسيقى . وهذا التعريف عاما . ومن ناحية خصوصيتها , فهى المعارف التى كانت العقيدة سببا فى بحثها . ومن هنا قيل ثقافة اسلامية , وثقافة غربية . فى قاموس الفلسفة لجاكلين روس J. russ ( الثقافة هى مركب جمعى يتضمن المعارف والتقنيات , والتقاليد المميزة لمجتمع معين او جماعة ) وفى موسوعة سبكتروم ( الثقافة تطلق للدلالة على كيفية معينة من العيش اختصت بها مجموعة معينة من الناس ) , واكثر تعاريفها استعمالا تعريف الانجليزى ادوارد تايلور (1832-1917 ) وهو ( الثقافة او الحضارة مركب جمعى يشمل المعرفة , والايمان , والفن , والشرائع , والاخلاق , والتقاليد , وغير ذلك من العادات والقدرات التى اكتسبها الانسان كعضو فى مجتمع ما) وبالنسبة للثقافة الاسلامية فهى المعارف التى كانت العقيدة الاسلامية سببا فى بحثها مثل علم التوحيد فى الفقه والتفسير والحديث وماينبثق عنها من احكام . اما الثقافة الغربية فهى المعارف التى كانت العقيدة الرأسمالية سببا فى بحثها , كتطور الخلق والعلمانية والليبرالية , ومايلحق بها من علوم انسانية مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الحضارات وعلم الاخلاق .. اما السياسة فهى تعبير عن مصالح قائمة وانعكاس لقوى ضاغطة كما انها قادرة على ان تجعل القوة الى حق . وهى بعيدة عن الاخلاق , وقد قام بتنظير ذلك ميكافليى فى كتابه الشهير (الامير ) عندما اجرى عملية فك اشتباك كامل بين السياسة والاخلاق , وجعل الغاية تبرر الوسيلة . اذن ان الحضارات لاتتصارع بل ان السياسات هى التى تتصادم .
ان كلمة حوار الحضارات او صراع الحضارات , ماهى فى الواقع سوى غلالة شفافة يراد بها ستر حقيقة اخرى عنوانها ( حوار الأديان ) أو ( الحرب الدينية ) اذا كان الغرب ينأى عن التكلم بمثل هذه الصراحة , فأن التصريحات الى اطلقها الابن بوش قبل احتلال العراق عام 2003 تكشف هذه الحقيقة , وكانت صريحة بما فيه الكفاية بعودة الحرب الصليبية ضد الاسلام والمسلمين . , وصراع الحضارات فى المفهوم الغربى المسيحى , هو ان القران الكريم يحض على الارهاب , وفق التعريف الذى يحدده الغرب للارهاب . واذا كان هناك من ارهاب فى الفكر الدينى فهو موجود فى التوراة قبل اى كتاب اخر , كنص تاريخى تحريضى دينى ضد شعوب العالم )الاغيار( حسب مفهومهم . والكنيسة الاصولية تقوم بتفسير ماورد فى التوراة وكأنه هو كلام الهى . والذين قرأوا التوراة منكم يدركون انها ماهى سوى سجل لتاريخ اليهود , ومعاركهك مع سكان فلسطين الاصليين من جهة نظرهم لقد دونوا هذا التاريخ كما شاءوا وزادوا فى اللعنات والدعوات على الشعوب الاخرى بالابادة والموت , بأعتبار ان ماورد فى التوراة هو ميثاق بين ابراهيم ويهوه , بينما الكنيسة الاصولية تسبح الله قائلة)تباركت مشيئتك( فهل مشيئة الله تعالى قتل باقى الشعوب وتدمير بيوتهم ومزارعهم , ونهب اموالهم من قبل شعب الله المختار ؟ . انهما يلتقيان فى عدائهما لنا ضمن )صدام الحضارات( ولكن كل منهما يرفض الاخر ومايمثله من افكار ومعتقدات .
حين ذاقت اميركا جرعة من السم فى احداث 11 سبتمبر , انتفضت وهاجت وتساءلت بكل غباء )لماذا يكره العرب والمسلمون امريكيا ؟ ( وبدل ان تبحث عن الجواب فى مكوناتها الثقافية والحضارية وممارساتها السياسية , ظهرت الى السطح مجددا افكار هنتغتون وكتابه صراع الحضارات قائلا ان الاسلام هو دين له حدود دموية الامر الذى يستوجب حربا بلا حدود على ارهاب اسلامى معلن او اسلام ارهابى مضمر .الا ان احداث نيويورك فى 11 سبتمبر , وماتلاها من توجيه الاتهام لعناصر عربية واسلامية بشأن الضلوع فيها , ونظرية هانتنغتون المرتبطة بصدام الحضارات ادت بقوة الى المواجهة , والى اشتداد الخطر الذى يهدد العرب والمسلمين فى عقر دارهم , وحتى فى الغرب فى ثقافتهم الاسلامية , وحياتهم الشخصية ايضا . فما هى اهم الافكار التى حملتها نظرية صدام الحضارات لهانتنغتون وخاصة فى ارتباطها بالاسلام ؟ وماهى صورة الاسلام فى الغرب ؟ وكيف يتم تصحيح هذه الصورة الخاطئة عن الاسلام ؟
يمكننا القول بأن المؤرخ والمستشرق برنارد لويس يعتبر اول من كتب عن ( صراع الحضارات ) وان معظم ماكتبه يندرج ضمن هذا السياق بدءأ بمقالته الشهيرة فى مجلة ( الاتلنتك مانثلى ) عام 1990 تحدث فيها عن جذور الغضب الاسلامى ، مستعملا لاول مرة عبارة ( صراع الحضارات ) التى تبناها بعده صموئيل هانتغتون وشرحها اولا فى مقالة مطولة نشرتها له دورية ( فورن افيرز ) سنة 1993 وبعد ذلك فى كتاب . يتحدث برنارد لويس فى تلك المقالة الشهيرة بأسهاب عما يعتبره جذور الغضب الاسلامى الحالى تجاه الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة ، الا انه ينسى هذا المستشرق التعرض للاسباب والشروط الموضوعية المعاصرة التى ادت واسهمت فى نشوء وظهور حالة الغليان والنقمة والغضب والرفض ضد تصرفات واعمال الغرب . ثم تم بعدها ظهور نظرية صدام الحضارات لاول مرة فى مقالة للباحث الامريكى صموئيل هانتغتون ضمن عدد لمجلة شؤون خارجية صيف عام 1993 , قبل ان يطرها فى شكل كتاب صدر له عام 1996 . ففى هذه النظرية يرى الباحث ان الصراعات الدولية فى عالم مابعد الحرب الباردة ستكون صراعات بين الامم والمجموعات الثقافية والحضارية المختلفة لابين الدول . وهو بذلك يؤكد على العنصر الثقافى كمحور اساسى للانقسامات بين الشعوب . واعتبر ان الهوية الثقافية ورموزها الاصلية للشعوب كالدين والموروث التاريخى المشترك , والامتداد الجغرافى هو الحافز لظهور صراع الحضارات .
ثمة دروس هنتنغونية قدمت فى طروحته صدام الحضارات , وعلينا ان نعترف بهذه الدروس القيمة الواردة فى اطروحته , وهى صراحته المعلنة والمطلقة فى تقديم وجهة النظر الامريكية الاستراتيجية بدون اخفاء , ويعبر عن اهدافها ومصالحها , ويترجم ايضا هذه الاهداف , ويعبر عنها بصورة صريحة . ومن اهم الدروس المعلنة هى :
1- ان قوانين مجلس الامن وقرارات الامم المتحدة , وصندوق النقد الدولى تصب فى الاهداف والمصالح الغربية , الا انها تكتسب طابعا شرعيا , وهذا الدرس يكشف ان محاولات الدول الاسلامية فى التنمية والاستقلال السياسى سوف تواجه بوسائل الاعاقة الممكنة , والحصار الذى يأخذ صيغة شرعية . وهذا ممايؤدى بالتالى التناقض فى صناعة القرار السياسى عند الدول الاسلامية ,وبين الدول الغربية المهيمنة , وهذا مايؤدى الى صدام الحضارات .
2- والدرس الثانى ظاهرة البلدان الممزقة , وهى تلك التى لاتزال طور البحث عن هويتها الحضارية , وقد ضرب مثلا عن ابرز نموذج البلدان الممزقة مثل تركيا , وقد اعتبر ان تغريب هذه الدولة الممزقة امرا ضروريا , والتغريب مفهوم غربى عن التحديث , وهو مفهوم غير اخلاقى عندما يعتقد ان الشعوب غير الغربية يجب ان تعتنق القيم والعادات والتقاليد والحضارة الغربية , واذا اخذ هذا الطلب مأخذ , فأنه سيصبح امر غير اخلاقى فى دلالاته .
ان تعميم النموذج الغربى بحجة التحديث هو فى نظر المحلل الامريكى خطر زائف , يقوم على الغرطسة وسوء التقدير , وهو يرى فى التغريب امرا مستحيلا فمجرد انتقال مشروب الكوكا كولا والاطعمة الجاهزة , والالبسة الغربية لايعنى ان العالم اصبح غربيا . انه يدعو الى اعادة بناء الحضارة الغربية نفسها ضمن حدودها الطبيعية , وان لاتنزع الى العالمية , فضلا عن ان العالمية هى مطلب مستحيل وخطير , لان الغرب لم يعد قادر على تحقيق اهدافه , واذا تمكن الغرب من نشر بعض من قيمه وثقافته , فذلك راجع الى انتشار القوة الغربية , على اعتبار ان الحضارة تتبع القوة .
الا ان الغرب فى حدوده الطبيعية اعجز من ان يقتل فينا ارادة التحرر والانتماء , ان كان لايزال يناور ضد انماء بلادنا ونهضتها . فقد حان الوقت الذى يجب ان يتخلى الغرب فيه عن وهم العالمية , لان الحضارة الغربية اليوم عكس حضارات الامبريالية السابقة , ديقراطية .
الا ان صموئيل يعتبر ان الخطر مازال يتهدد الغرب , وان الصراعات ستشتد من جديد خاصة على المستوى الثقافى الذى يعد احد اخطر اسباب ومظاهر الصراعات الدولية , ولم يستبعد ان تقوم هذه الحضارات الاخرى فى الاقدام على تشكيل تحالفات لمواجهة الغرب . فالاسلام والبوذية والكونفوشيوسية . وهو يرى ايضا ان التكتل الحضارى الاسلامى قد يواجهه التكتلات الحضارية المجاورة له )الكتلة المسيحية الغربية , الكتلة السلافية المسيحية الارثوذكسية , والكتلة الافريقية , والكتلة الهندوسية( بعد ان نشر مقاله الشهير والحديث عن التهديد الاسلامى للغرب لم ينقطع سواء فى الدوائر الصحفية او السياسية او الاكاديمية الغربية والجدير بالذكر ان هانتغتون عند حديثه عن الخطر الاسلامى لايحذر الغرب فقط من الحركات المتطرفة الاسلامية , بل يتحدث ايضا عن خطر الدين الاسلامى نفسه , ويرى ان معظم القوى والحركات الاسلامية تتجه نحو المزيد من الانطواء على الذات , ومواجهة الحضارة الغربية وتحديها بالشكل الذى يجعله يقر فى الاخير بأن الصدام بين الاسلام والغرب حتمى الحدوث , ويضيف انه امام هذا الوضع يتعين تدعيم التعاون والوحدة بين ابناء الحضارة الواحدة وخصوصا بين اوروبا والولايات المتحدة الامريكية , وتخفيف حدة التناقضات فى مابينها لمواجهة هذه المخاطر المقبلة . وحسب نظريته التى تزعم ان لكل حضارة دينها الخاص بها , فليس بالضرورة ان يكون لكل حضارة محددة دين معين , وقد تناسى هذا الباحث فى نظريته هذه ان حضارة الاسلام لها طبيعة تواصلية وحوارية مع الحضارات الاخرى , وليس لها اى صفة عدوانية بل بالعكس الحضارة الغربية لها تلك الصفة العدوانية منذ الحروب الصليبية , سواء فى مراحلها المسيحية الاولى , وحتى العلمانية الحاضرة .
ويلاحظ ان هذه النظرية وصاحبها تعامل مع الاسلام كتجارب وممارسات بشرية استثنائية اكثر من تعامله مع الاسلام كدين ))قأذا كان الاسلام واحدا فى روحه وجوهره ومثله واركانه , فأنه متعدد فى فهم المسلمين له وتفسيرهم لقرأنه , وتعبيرهم عن مثله وتطبيقهم لاركانه( وتناسى ان ان التطرف هو ظاهرة ميزت وتميز الاديان والحضارات البشرية كافة . ان الاسلام اقر بالتواصل والتعاون بين الشعوب ويقول الله عز وجل )ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ( وهذه الاية تبرز لنا ان اصل الانسانية واحد , وهى شمولية فى خطابها بحيث لم تقتصر على المسلمين بل وجهت الى الناس كافة من شعوب وقبائل بقصد التعارف . كما ان الاسلام نهى عن الاكراه فى الدين , واثر بمبدأ الحرية فى الايمان , وحث على مبدأ المساواة . الا ان هذه النظرية اخذت فى تهويلها ومبالغتها الشديدة فى تصوير الحضارة الاسلامية كحضارة خطيرة وعدوانية , تنم عن خلفيات سياسية اكثر منها معرفية اكاديمية وعلمية , وتحمل فى طياتها خلفيات عدائية للثقافات والحضارات الاخرى . ويمكن اعتبار هذه النظرية هدفها الاول والاساسى هو تعزيز الهيمنة على العالم واطالة امدها , وذلك من خلال تحديد اعداء جدد , والتهويل من مخاطر وتحديات جديدة خاصة بعد الفراغ الاستراتيجى الذى خلفه رحيل الاتحاد السوفياتى عن الساحة الدولية .
اذا ان هذه النظرية تتكلم و تبحث عن صراع مستقبلى لايقوم بين الدول وانما بين الحضارات المختلفة وخاصة بين الحضارة الاسلامية والحضارة المسيحية . بينما هناك نظرية اخرى اكتسبت شهرة واسعة وهى نظرية فرانسيس فوكوياما )نهاية التاريخ( هذه النظرية تكلمت عن سقوط الايديولوجية الماركسية وانتصار العالم الغربى والرأسمالية الليبرالية وبروز النظام العالمى الجديد بين الدول . والسؤال المطروح هو مااحتمالات تبنى هذين النظريتين وكيف سيكون اثر هذا التبنى فى صياغة السياسة الغربية تجاه الاسلام والمسلمين؟ هل ستكون عدائية كما كانت الراسمالية مع الشيوعية ؟ ام ستكون تقاربية تصالحية ؟ او سيكون عند الغرب متمثلا بالولايات المتحدة ثقة وقناعة لتكرار الاستراتيجية الاحتوائية للتعامل مع التحدى الاسلامى ؟ هناك مدرستين تتعامل مع الاسلام:
ا- المدرسة الاقصائية: والتى يتزعمها امثال برنارد لويس ودانيال بايبس ومارتين انديك وهمنتجون وغالبية مفكرى هذه المدرسة من اليهود والصهاينة ولديهم نفس الهدف فى عدم محاولة التفاهم مع الاسلاميين لان جميعهم لديه نفس الهدف معاداة النموذج الغربى وليس لدى الاسلاميين تيار معتدل واخر متشدد فهذه تقسيمات خرافية او تكتيكية حول الاساليب وليس الاهداف والحل هو تهميش هذه الحركات الاسلامية ولو عبر اساليب غير ديمقراطية وبقوة السلاح او دعم الانظمة الديكتاتورية العلمانية لقمعهم . وقد تم الان صياغة سياسة جديدة معلنة حيث تشكل استعداء واضحا على تيارات الحركة الاسلامية خاصة التيارات السياسية والجهادية منه وتقول الصحفية روبن رايت )بالرغم من اتباع امريكا لسياسة مفادها تشجيع التحول الديمقراطى الا انه من الناحية العملية كان هناك شرط واحد وهو ان لاينتصر الاسلام فى الانتخابات الديمقراطية( . فقد دخلت امريكيا فى مثل هذه الحروب ضد الشيوعية واتت ثمارها لصالح امريكيا فالغرب مطالب فى حربه مع الاسلامييبن بالدخول فى حروب ساخنة ضده على مواقع مختلفة كما حدث فى افغانستان او عبر استراتيجية جديدة مثل الحصار القائم ضد العراق والهجوم عليه لاسقاط نظامه السياسى والمجىء بعملاء له لحكم العراق وتنفيذ سياستهم والسيطرة على منابع النفط فى العراق . ولهذا فان هنتجتون وبايبس يطالبان الولايات المتحدة بدعم الحكومات التى تقمع الحركات الاسلامية والقبول باساليب القمع هذه كما حدث فى الجزائر ومصر وباقى البلدان العربية . وهناك بعض الدراسات التى انساق اصحابها الى التزام رؤية هنتجتون وتضخيم معطيات الصراع الحضارى بين الاسلام والغرب وتصوير العلاقة على انها علاقة عداء دائم مستحكم حيث يروجون لمقولة ان الاسلاميين متطرفون ارهابيون واعداء للسلام وان الاسلاميين المعتدلين والمتطرفين هما فى الحقيقة وجهان لعملة واحدة والواقع ان التوجه الذى يرى فى الاسلام عدوا بديلا عن الشيوعية لازال هو التيار الاكثر سطوة والاكثر تاثيرا فى المجتمعات الغربية وخاصة داخل الولايات المتحدة . كان جورج كانن الذى اقترح فكرة الاحتواء ضد الاتحاد السوفيتى يقول فى عام 1931 بانه لايمكن الوصول لحل وسط بين النموذج الشيوعى الماركسى والنموذج الليبرالى الديمقراطى لان كليهما على طرفى نقيض وكلاهما يعتبر نفسه منهجا للحياة مستقلا بنفسه تماما عن النموذج الغربى بحيث لايمكن التفاوض معه او التحاور وقد عملت وسائل الاعلام الغربية وبعض مؤسسات البحث الامريكية التى تخضع للسيطرة اليهودية على تضخيم قضية الاصولية الاسلامية وفى سياسة التحريض المستمر على الاسلام والحركات الاسلامية برزت اسماء عدد من الكتاب والباحثين الغربيين تولوا صراحة التحريض العلنى ضد الحركات الاسلامية وياتى على هؤلاء دانيال بايبس مدير منتدى الشرق الاوسط والباحث الاسرائيلى مارتن كريمر والمستشرق برنارد لويس وبيتر رودمان المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية ويقول لورنس براون فى كتاب له صدر عام 1944 هذه العبارات الصريحة) لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة ولكننا بعد الاختيار لم نجد مبررا لمثل هذا الخوف لقد كنا نخوف بالخطر اليهودى والخطر الاصفر اليابان والصين والخطر البلشفى الا ان هذا التخويف كله لم يتفق وماتخيلناه اننا وجدنا اليهود اصدقاء لنا وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الالد ثم راينا البلاشفة حلفاء لنا اما الشعوب الصفراء فهناك دول ديمقراطية كبرى تقاومها. ولكن الخطر الحقيقى كامن فى نظام الاسلام وفى قوته على التوسع والاخضاع وفى حيوته انه الجدار الوحيد فى وجه الاستعمار الاوروبى( وهكذا يرى هذا الكاتب ان فى نظام الاسلام قوة كامنة وان هذه القوة المذخورة هى التى يجب ان يحسب حسابها على الدول الغربية وانها الخطر الحقيقى الكامن فى نظام الاسلام.
ب- المدرسة التفاهمية التقاربية: ان اول م اطلق نظرية ( حوار الحضارات ) المفكر المسلم الفرنسى روجيه جارودى ، عندما حاول ان يطرح على العالم بنظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على اساس ارضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الارض ، الا ان مشروعه كان يتسم بالنقد الشديد للهيمنة الغربية والسيطرة الامريكية ، حتى انه بشر فى ثنايا نظريته بزوال الغرب عموما .
وهكذا ، وفى مقابل التيار الغربى المعادى تماما للحركة الاسلامية برز فى الغرب تيار اخر اتصف عطاؤه العلمى بالاعتدال والانصاف وهذه المدرسة الغربية تطلب للتعقل فى التفاهم مع الظاهرة الاسلامية لانها ظاهرة متعددة ومتنوعة ونابعة من اصل الثقافة العربية الاسلامية ولان امحاربتها لاتخدم المصالح الغربية بل تهددها . ويأتى على راس هذا التيار المنصف للحركة الاسلامية جون اسبوزيتو وروبن رايت وجون فول وانتونى سوليفان وجرهام فوللر وجويس ديفس فى الولايات المتحدة وياتى البحث القيم للبرفيسور اسبوزيتو )التهديد الاسلامى حقيقة ام خيال( حيث اكد ان الاسلام ليس عدوا للغرب ولكن باعتباره يمثل تحديا حضاريا فى اتجاه التنافس المشروع بين الحضارات وبالتالى لايشكل اى خطر على الغرب . وقد ذكر جراهام فوللر المسؤول السابق بوكالة المخابرات الامريكية فى كتابه )الشعور بالحصار ( حيث قال اننا لانؤمن بان العلاقات بين الاسلام والغرب بصفة عامة ستكون مسرحا للصراع الايديولوجى القادم فى العالم فالاسلام اليوم كدين ليس فى وضع تصادمى مع المسيحية او مع الغرب كما اننا لانتنبأ بمواجهة شاملة بين كتلة اسلامية وكتلة غربية باى شكل من الاشكال . وهناك دراسات كثيرة ظهرت فى الغرب ساعدت على تحسين الصورة عند الغرب من الاسلام والصحوة الاسلامية وحول الاسلام السياسى والاسلام والديمقراطية الاسلام والغرب وفى اطار سعيها لنفى مقولة الخطر الاسلامى ترسخ هذه الدراسات من خلال مناهج عملية موضوعبية عددا من الحقائق لعل اهمها ان الصحوة الاسلامية والظاهرة الاسلامية مثلهم مثل باقى الاحزاب السياسية الاخرى التى من حقها التنافس السلمى للوصول الى السلطة وان الاضطهاد السياسى والحرمان الذى يتعرض له الاسلاميين هما اللذان يدفعان الاسلاميين الى العنف والتطرف فى بعض الدول الاسلامية . وقد اعد ادوارد جرجيان دراسة بعنوان )سياسة الولايات المتحدة تجاه الاسلام وقوس الازمة( وقد طالبت هذه الدراسة صراحة بضرورة تحديث النظرة والسياسة الامريكية تجاه منطقة الشرق الاسلامى حيث طالب :
1- ضرورة فهم القوى الاسلامية الموجودة على الساحة فى الشرق الاوسط بمعزل عن الافكار المسبقة عنها وضرورة التفرقة بين التيار الاسلامى العام والتيارات التى تتبنى العنف
2- كما يطالب بتحديث السياسة الامريكية وضرورة الاقتراب من التيار الاسلامى المعتدل وادراك دور الدين فى العلاقات الدولية
3- حل مشكلة الصراع العربى الاسرائيلى ومن شأن هذا الحل يساعد على اضمحلال العداء للغرب بين المسلمين ويجرد كثيرا من القوى فى المنطقة العربية من مشروعية دعوتها للعنف
ان خلاصة مانريد ان نصل اليه هنا هو ان الحضارات لاتتصادم ولكن السياسات تتنافر كما ان الثقافات تتشابك وتتكامل , ولكن المصالح تتضارب وتتناقض . ونشير فى ذلك السياق الى النقاط التالية .
(1) ان البحث فى العلاقات التاريخية بين الحضارات الكبرى يؤكد انها تتميز بالانفتاح والتواصل وليس بالصدام والتنافر . فالاسلام على سبيل المثال كبناء حضارى قبل ان يكون ديانة فقط قد امتد بثقافته الى قارات العالم القديم ثم انتقل الى العالم الحالى , وانفتح عهلى الثقافات والحضارات الاخرى , وقد اندهش المؤرخ المصرى الشهير عبد الرحمن الجبرتى من الحملة الفرنسية على مصر , ولم يكن رافضا لثقافة الفرنسيين , كما ان رافع الطهطهاوى الذى عاد من باريس فى القرن التاسع عشر كتب بشىء من الانبهار عن الحضارة الغربية , والحياة الفرنسية من دون ان تقف امامه حواجز الكراهية والتعصب . وحتى الامام محمد عبده قال يوما انه قد ترك فى بلاده مسلمين بغير اسلام ووجد فى فرنسا اسلاما بغير مسلمين لكى يدلل عن ارتياحه للاخلاق الغربية من جانبها الايجابى الذى يتمثل فى الصدق مع الذات والبعد عن الكذب والرياء , وكأنها تطبيق لتعاليم الاسلام الحقيقية .
ولعل السؤال المطروح اليوم ، هل سيلجأ العرب مرة اخرى الى دراسة الحضارات فى اطار التأثر والتأثير ، بدلا من الحنين الى الماضى ؟ وهل الارتداد الى الوراء الزمنى احتماء من هجمة العصر التى لم نعد قادرين على مجارتها ؟ وماهى الية حوار الحضارات ، بحيث لايتحول فى النهاية الى صراع حقيقى ؟ وماهى اسهاماتنا فى هذا الحوار الذى هو احدى ابجديات العولمة ؟ . وليس سرا ان الغرب يدرك سيادته على العالم اليوم ، وانه صانع الحضارة الحديثة ، ولذلك فأن مفكروا الغرب يعتقدون بأنه ان الاوان لان يؤسس الغرب اخلاقيات العالم الجديدة ، بعد ان غزا العالم فى شتى حقول المعرفة والثقافة والعلم ، وان تكون هذه الاخلاقيات العالمية هى المفتاح لدمج المجتمعات فى بوتقة الثقافة الاوروبية بغية الوصول الى الحكم المطلق الذى تندمج فيه القيم الروحية التقليدية لكل الاديان بالقيم الحديثة الانسانية التى ولدت فى رحم اوروبا .
(2) والواقع ان مايتردد فى الولايات المتحدة من ربط للاسلام بالارهاب والمطالبة بقيام تنسيق دولى لمواجهة الاصولية الاسلامية واحتوائها انما هو صدى لمقولة )الاصولية الاسلامية هى الخطر المشترك( وتتكاثف جهود القوى المعادية للاسلام على المستوى الدولى لاحتواء العمل الاسلامى بدعوى محاربة الارهاب الا ان الفشل سوف يلاحق هؤلاء المعادين للاسلام وان هذه الاطروحات الانسانية التى جاء بها العقل الانسانى قد باءت بفشل ذريع فقد انهارت الشيوعية والان تسير الديمقراطية الغربية الزائفة فى نفس الاتجاه ولاشك ان مصيرها سيكون مثل مصير النظام الشيوعى بعد هذا الفشل للنظم التى اخترعها الانسان يظهر الاسلام كقوة وحيدة مؤهلة لاعطاء الانسان نظاما كاملا يراعى الجوانب المادية والروحية بصورة متوازية وهذه التطورات الجديدة التى حدثت فى العالم اقضت مضاجع اعداء الاسلام وبدأوا تفكيرا جادا لاحتواء هذا المد لدين الله بشتى الوسائل والامكانيات. ونحن كمسلمين علينا واجب اخذ اهم وجميع الاجراءات الكفيلة بتصحيح صورة الاسلام والمسلمين فى الغرب
(3) ان حركة الاستشراق فى عمومها تمثل قدرا كبيرا من الجاذبية الحضارية للمؤرخين والمفكرين الغربيين خلال دراساتهم وكتاباتهم حول الشرق وكنوزه الثقافية وطبيعة اختلافه عن المجتمعات الغربية وغيرها من الشعوب الشرقية , ولكن علينا ان لاننسى ان هناك بعض المستشرقين احتوت كتاباتهم سموما حاقدة تجاه الاسلام كدين سماوى وحضارة واسلوب حياة . وعلى العموم ان حركة الاستشراق فى مجملها كانت تمثل درجة عالية من اهتمام الغرب بالشرق والرغبة فى التعايش معه , كما انها دليل فكرى اخر على ان التواصل الحضارى وليس الانعزال الثقافى هو الاساس فى العلاقات بين الامم والشعوب .
(4) ان ماتشهده الساحة الدولية من تنامى روح التعصب وظهور نزعات عرقية دينية هو امر لايتصل بالاسس الثقافية والتقاليد الفكرية للحضارات , ولكنه انعكاس لتضارب المصالح واختلاف السياسات و مع التاكيد على وجود التعصب الدينى اليمينى المسيحى اليهودى المتحالف الموجود حاليا فى الادارة الامريكية قديما وحديثا الذى يؤمن بالتفسير التوراتى للعهد القديم وظهور المسيح المنقذ لاتباعه . فقد ذكر الاب ادموند براون رئيس احدى الكنائس كان يرى ان بوش الابن هو الخليفة المسيحى الذى سيطهر العالم من كل الاثام ومناهضى المسيح .
(5) ان اقبال الشرقيين على الذهاب الى الغرب والاعجاب بالتقدم لديها ونمط الحياة فيها هو تأكيد لما يمكن ان نسميه بالاعجاب الحضارى المتبادل لان الاختلاف مميزة جاذبية وليس خطيئة .
.ونعود ونؤكد على ان اهم الاجراءات التى يمكن القيام بها وتنفيذها للتفاعل بين الحضارات هى :
(1) القيام بأجراء الحوار والتواصل مع الغرب , والتعريف بقيم التسامح للحضارة الاسلامية والتى تتمحور حول المساوة بين البشر , والتبادل الحضارى لا الحروب والمواجهات , لان الاصل فى عمق وطبيعة الحضارات هو التحاور والتشابك , ولذلك فأن الصراع حتى وان اتخذ مظهرا ثقافيا غالبا ماتكون وراءه دوافع سياسية واقتصادية اكثر منها ثقافية . فأن الصراع القائم هو فى الحقيقة صراع سياسى واقتصادى . لقد شهد المجتمع الدولى تداخلا وتعددا فى العلاقات بين مختلف الشعوب والحضارات فى شتى المجالات والميادين , وهذا مما ادى الى انتقال القيم والافكار بالشكل الذى يجعلنا نستبعد كليا نظريات المواجهة والصدام , لكن التصريحات والسلوكات المستفزة التى تصدر عن بعض الجهات التى تعتقد انها تمثل الغرب برمته يمكن ان تشوش على هذا التواصل والحوار بين الطرفين . ولهذا السبب علينا اصدار الكتب والنشرات الاعلامية المترجمة للغات الاوربية لاعطاء وجهات نظرنا للغرب , لانها تخدم الاهداف عند تصديرها الى الخارج . وعلينا ترجمة الكتب الغربية المنصفة للاسلام .
(2) علينا ان نتعلم من انجازات بعض الدول الاسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والصين وتايوان واندونيسيا , التى بنت حضارتها بعد ان تبنت خطاب مرن فى مواجهة الغرب والتعلم من انجازاته وثقافته بدل تبنى خطابات الانعزال خوفا من الغزو الثقافى للاخر , وخاصة ان الاسلام ذاته يأمر بالتعارف والتواصل المستمر مع الشعوب كافة , ولاخوف على الاسلام من وجود ثقافات اخرى تتفاعل مع الاسلام و وضرورة الايمان بمبدأ المساواة بين الحضارات الانسانية كافة , والعمل على ابراز نقاط الالتقاء مع الثقافات الاخرى . وفتح الحوار البناء والمستمر فى هذا الشأن مع النخبة المثقفة فى الغرب . ان فتح الحوار مع الاخر يتطلب اجراء حوار ونقد للذات من خلال الايمان بحق الاختلاف , واحترام الرأى الاخر . ولهذا يجب علينا كمسلمين مراجعة خطاباتنا السياسية والثقافية العربية والاسلامية النغلقة والمتشددة التى تولد سوء الظن بين ابناء الحضارات المختلفة ., والابتعاد عن تشجيع خطاب التطرف من قبل بعض المسلمين , لانه امر ضار بالمسلمين قبل ان يكون ضارا بالغير . ان الخطابات الصارمة والمتشددة والمتطرفة او تنبى افكار المتطرفين من ابناء جلدتنا لايؤدى الى تحسين واصلاح الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى الدول العربية والاسلامية .
(3) ضرورة توحيد الخطاب الحضارى الاسلامى تجاه الغرب , بدل تعدد وجهات النظر وتباين الخطابات الثقافيية الاسلامية , والتى تؤدى الى خلق حالة من الالتباس فى اذهان الاوروبين , بينما نرى ان الدول الاوروبية قد بلورت سياسة ثقافية اوروبية موحدة على الرغم من الاختلافات العرقية والثقافية والمذهبية . اما بالنسبة للدول العربية والاسلامية فأنها لم تستطع انجاز اى تعاون مشترك , وتنسيق برامجها وسياساتها الثقافية والتربوية والاعلامية بالشكل الذى يسمح لها برفع خطاب حضارى وثقافى موحد فى مواجهة الغرب
(4) يجب على الجاليات العربية والمسلمة الموجودة فى الساحة الاوروبية ان تنظم نفسها بالشكل الذى يجعل منها قوة فى الغرب قادرة على فرض احترام الغرب للحضارة الاسلامية , واقناع الغرب كافة بأن مصالحهم الحقيقية هى فى اقامة علاقات ودية مع العرب والمسلمين وليس فى معاداتهم , واظهار ان انتقادنا للغرب ينصب على بعض سياساته لا على ثقافته , وخاصة السياسات الامريكية التعسفية تجاه الاقطار العربية والإسلامية) .
الموضوع : - سياسة الغرب تجاه الحضارة الاسلام سياسة عدائية المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: atefbbs