حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم وهل تقبل توبته إذا تاب ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال :
سمعت في أحد الأشرطة أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل وإن أظهر
التوبة . فهل يقتل حدا أم كفرا؟ وإن كانت توبته نصوحا فهل يغفر الله له أم
أنه في النار وليس له من توبة ؟
الجواب : الحمد لله
الجواب على هذا السؤال يكون من خلال المسألتين الآتيتين :
المسألة الأولى : حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم .
أجمع العلماء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله .
وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه
وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم . الصارم المسلول 2/13-16 .
وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة :
أما الكتاب؛ فقول الله تعالى : ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة
تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون (64) ولئن سألتهم
ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65)
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة / 66 .
فهذه الآية نص
في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر ، فالسب بطريق الأولى ، وقد دلت
الآية أيضا على أن من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر ، جادا
أو هازلا .
وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عن علي رضي الله
عنه أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه ، فخنقها رجل
حتى ماتت ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها .
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126) : وهذا الحديث جيد ، وله شاهد من حديث ابن عباس وسيأتي اهـ
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى أبو داود (4361) عن ابن عباس أن رجلا أعمى كانت له أم ولد تشتم
النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقع فيه ، فينهاها فلا تنتهي ، ويزجرها فلا
تنزجر ، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه ،
فأخذ المغول [سيف قصير] فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها . فلما أصبح
ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال : أنشد الله رجلا
فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام . فقام الأعمى فقال: يا رسول الله ، أنا
صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر ، ولي
منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة ، فلما كان البارحة جعلت تشتمك
وتقع فيك ، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها . فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا اشهدوا أن دمها هدر) . صححه الألباني في
صحيح أبي داود (3655) .
والظاهر من هذه المرأة أنها كانت كافرة
ولم تكن مسلمة ، فإن المسلمة لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر الشنيع .
ولأنها لو كانت مسلمة لكانت مرتدة بذلك ، وحينئذ لا يجوز لسيدها أن يمسكها
ويكتفي بمجرد نهيها عن ذلك .
وروى النسائي (4071) عن أبي برزة
الأسلمي قال : أغلظ رجل لأبي بكر الصديق ، فقلت : أقتله ؟ فانتهرني، وقال :
ليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . صحيح النسائي (3795) .
فعلم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتل من سبه ومن أغلظ له ، وهو بعمومه يشمل المسلم والكافر .
المسألة الثانية : إذا تاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم فهل تقبل توبته أم لا ؟
اتفق العلماء على أنه إذا تاب توبة نصوحا ، وندم على ما فعل ، أن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة ، فيغفر الله تعالى له .
واختلفوا في قبول توبته في الدنيا ، وسقوط القتل عنه .
فذهب مالك وأحمد إلى أنها لا تقبل ، فيقتل ولو تاب .
واستدلوا على ذلك بالسنة والنظر الصحيح :
أما السنة فروى أبو داود (2683) عن سعد بن أبي وقاص قال :
لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة
نفر وامرأتين وسماهم وابن أبي سرح فذكر الحديث قال : وأما ابن أبي سرح
فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
يا نبي الله ، بايع عبد الله . فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى ،
فبايعه بعد ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم
إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟ فقالوا : ما ندري يا رسول
الله ما في نفسك ، ألا أومأت إلينا بعينك ؟ قال : إنه لا ينبغي لنبي أن
تكون له خائنة الأعين
. صححه الألباني في صحيح أبي داود (2334) .
وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته ، بل يجوز قتله وإن جاء تائبا .
وكان عبد الله بن سعد من كتبة الوحي فارتد وزعم أنه يزيد في الوحي ما
يشاء ، وهذا كذب وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من أنواع السب
. ثم أسلم وحسن إسلامه ، فرضي الله عنه . الصارم 115 .
وأما النظر الصحيح :
فقالوا : إن سب النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق به حقان ؛ حق لله ، وحق
لآدمي . فأما حق الله فظاهر ، وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه . وأما حق
الآدمي فظاهر أيضا فإنه أدخل المعرة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
السب ، وأناله بذلك غضاضة وعارا . والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق
الآدمي لم تسقط بالتوبة، كعقوبة قاطع الطريق ، فإنه إذا قتل تحتم قتله
وصلبه ، ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من تحتم القتل والصلب ، ولم
يسقط حق الآدمي من القصاص ، فكذلك هنا ، إذا تاب الساب فقد سقط بتوبته حق
الله تعالى ، وبقي حق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسقط بالتوبة .
فإن قيل : ألا يمكن أن نعفو عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عفا في حياته عن كثير ممن سبوه ولم يقتلهم ؟
فالجواب :
كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة يختار العفو عمن سبه ، وربما أمر
بقتله إذا رأى المصلحة في ذلك ، والآن قد تعذر عفوه بموته ، فبقي قتل الساب
حقا محضا لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه ، فيجب إقامته . الصارم
المسلول 2/438 .
وخلاصة القول :
أن سب النبي صلى
الله عليه وسلم من أعظم المحرمات ، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء
، سواء فعل ذلك جادا أم هازلا . وأن فاعله يقتل ولو تاب ، مسلما كان أم
كافرا . ثم إن كان قد تاب توبة نصوحا ، وندم على ما فعل ، فإن هذه التوبة
تنفعه يوم القيامة ، فيغفر الله له .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله ، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم
الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته ، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها
كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما رأوا
تهاون المسلمين ، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم ، وعدم تطبيق العقوبة
الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح .
نسأل الله تعالى أن يعز أهل طاعته ، ويذل أهل معصيته .
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الموضوع : حكم من سب النبي صلي الله عليه وسلم المصدر : منتديات اضواء الاسلام الكاتب: شهد شحاتة